Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 128-128)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وهذه خصوصية من خصوصيات قوم هود ، والرِّيع : هو المكان المرتفع ، لذلك بعض الناس يقولون : كم رِيع بنائك ؟ يعني : ارتفاعه كم متراً ، فكأن الارتفاع يُثمِّن البقعة ، ويُطلق الريع على الارتفاع في كل شيء . وكلمة { آيَةً … } [ الشعراء : 128 ] بعد { أَتَبْنُونَ … } [ الشعراء : 128 ] تعني : القصور العالية التي تعتبر آيةً في الإبداع وجمال العمارة والزخرفة والفخامة والاتساع والرِّفْعة في العُلُو . وقال { تَعْبَثُونَ } [ الشعراء : 128 ] لأنهم لن يخلُدوا في هذه القصور ، ومع ذلك يُشيِّدونها لتبقى أجيالاً من بعدهم ، فعدّ هذا عبثاً منهم لأن الإنسان يكفيه أقلّ بناء ليأويه فترة حياته . أو { تَعْبَثُونَ } [ الشعراء : 128 ] لأنهم كانوا يجلسون في شُرفات هذه القصور يصدُّون الناس ، ويصرفونهم عن هود وسماع كلامه ودعوته التي تَلْفِتهم إلى منهج الحق . ونحن لم نَرَ حضارة عاد ، ولم نَرَ آثارهم ، كما رأينا مثلاً آثار الفراعنة في مصر لأن حضارة عاد طمرتْها الرمال ، وكانوا بالجزيرة العربية في منطقة تُسمَّى الآن بالرَّبْع الخالي لأنها منطقة من الرمال الناعمة التي يصعب السير أو المعيشة بها ، لكن لكي نعرف هذه الحضارة نقرأ قوله تعالى في سورة الفجر : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ * ٱلَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي ٱلْبِلاَدِ } [ الفجر : 6 - 8 ] . وما دامت لم يُخلَق مثلها في البلاد ، فهي أعظم من حضارة الفراعنة التي نشاهدها الآن ، ويفد إليها الناس من كل أنحاء العالم ليشاهدوا الأهرام مثلاً ، وقد بنيت لتكون مجرد مقابر ، ومع تقدُّم العلم في عصر الحضارة والتكنولوجيا ، ما زال هذا البناء مُحيِّراً للعلماء ، لم يستطيعوا حتى الآن معرفةَ الكثير من أسراره . ومن هذه الأسرار التي اهتدَوْا إليها حديثاً كيفية بناء أحجار الأهرام دون ملاط مع ضخامتها ، وقد توصَّلوا إلى أنها بُنيَتْ بطريقة تفريغ الهواء مما بين الأحجار ، وهذه النظرية تستطيع ملاحظتها حين تضع كوباً مُبلّلاً بالماء على المنضدة مثلاً ، ثم تتركه فترةً حتى يتبخر الماء من تحته ، فإذا أردتَ أن ترفعه من مكانه تجده قد لصق بالمنضدة . وليس عجيباً أنْ تختفي حضارةٌ ، كانت أعظم حضارات الدنيا تحت طبقات الرمال ، فالرمال حين تثور تبتلع كل ما أمامها ، حتى إنها طمرتْ قبيلة كاملة بجِمالها ورجالها ، وهذه هبة واحدة ، فما بالك بثورة الرمال ، وما تسفوه الريح طوال آلاف السنين ؟ وأنا واثق من أنهم إذا ما نبشوا هذه الرمال وأزاحوها لوجدوا تحتها أرضاً خصبة وآثاراً عظيمة ، كما نرى الاكتشافات الأثرية الآن كلها تحت الأرض ، وفي فيينا أثناء حفر أحد خطوط المجاري هناك وجدوا آثاراً لقصور ملوك سابقين . وطالما أن الله تعالى قال عن عاد : { أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ } [ الشعراء : 128 ] فلا بُدَّ أن هناك قصوراً ومبانيَ مطمورة تحت هذه الرمال .