Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 148-148)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

النخل من الزروع ، لكن خصَّ النخل بالذِّكْر ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم اهتم به ، وشبَّهه بالمؤمن في الحديث : " إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها " قال الراوي : فوقع الناس في شجر البوادي ، ولم يهتدوا إليها ، فلما خرج عمر وابنه عبد الله قال : يا أبي ، لقد وقع في ظني أنها النخلة لأنها مثل المؤمن كل ما فيه خير . نعم لو تأملتَ النخلة لوجدتَ أن كل شيء فيها نافع ، وله مهمة ، وينتفع الزارع به ، ولا يُلْقَى منها شيء مهما كان بسيطاً . فالجذوع تُصنع منها السواري والأعمدة ، وتُسقف بها البيوت قبل ظهور الخرسانة ، ومن الجريد يصنعون الأقفاص ، والجزء المفلطح من الجريدة ويسمى القحف والذي لا يصلح للأقفاص كانوا يجعلونه على شكل معين ، فيصير مقشّة يكنسون بها المنازل . ومن الليف يصنعون الحبال ، ويجعلونه في تنجيد الكراسي وغيرها ، حتى الأشواك التي تراها في جريد النخل خلقه الله لحكمة وبقدَرٍ لأنها تحمي النخلة من الفئران أثناء إثمارها ، والليف الذي ينمو بين أصول الجريد جعله الله حماية للنخلة ، وهي في طور النمو ، وما تزال غَضَّة طرية ، فلا يحمي بعضها على بعض . إذن : هي شجرة خيِّرة كالمؤمن ، وقد تم أخيراً في أحد البحوث أن أخذوا الجزء الذي يسمى بالقحف ، وجعلوه في تربة مناسبة ، فأنبتوا منه نخلة جديدة . لذلك لما قال ابن عمر : إنها النخلة . ذهب عمر إلى رسول الله ، وحكى له مقالة ولده ، فقال صلى الله عليه وسلم : " صدق ولدك " فقال عمر : فوالله ما يسرني أن فَطِن ولدي إليها أن لي حمر النعم . والذين يزرعون النخيل يروْنَ فيه آيات وعجائب دالّة على قدرة الله تعالى . ومعنى { طَلْعُهَا هَضِيمٌ } [ الشعراء : 148 ] الطَّلْع : هو الكوز الذي تخرج منه الشماريخ في الأُنْثى ويخرج منه المادة المخصبة في الذكر ، والتي قال الله عنها : { قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ … } [ الأنعام : 99 ] . وفي الذَّكر يخرج من الكوز المادة المخصِّبة للنخلة ، وللقِنْوان أو الشماريخ أطوار في النمو يُسمُّونه الخلا ، فيظل ينمو ويكبر إلى أنْ يصل إلى نهايته حَدّاً حيث يجمد على هذه الحالة ، ويكتمل نموه الحجمي ، ثم تبدأ مرحلة اللون . يقولون عفَّر النخل : يعني شاب خضرته حمرة أو صفرة . فإذا اكتمل احمرار الأحمر واصفرار الأصفر ، يسمى بُسْر ثم يتحول البُسْر إلى الرطب حيث تلين ثمرته وتنفصل قِشْرته ، فإنْ كان الجو جافاً فإنَّ الرُّطَب يَيْبس ، ويتحول إلى التمر حيث تتبخَّر مائيته ، وتتماسك قِشْرته ، وتلتصق به . ومعنى { هَضِيمٌ } [ الشعراء : 148 ] يعني : غَضٌّ ورَطْب طريٌّ ، وهذا يدل على خصوبة الأرض ، ومنه هضم الطعام حتى يصير ليِّناً مُسْتساغاً . ثم يقول الحق سبحانه : { وَتَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ … } .