Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 192-192)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَإِنَّهُ … } [ الشعراء : 192 ] على أيِّ شيء يعود هذا الضمير ؟ المفروض أن يسبقه مرجع يرجع إليه هذا الضمير وهو لم يُسبَق بشيء . تقول : جاءني رجل فأكرمتُه فيعود ضمير الغائب في أكرمته على رجل . وكما في قوله تعالى : { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } [ الإخلاص : 1 ] فالضمير هنا يعود على لفظ الجلالة ، مع أنه متأخر عنه ، ذلك لاستحضار عظمته تعالى في النفس فلا تغيب . كذلك { وَإِنَّهُ … } [ الشعراء : 192 ] أي : القرآن الكريم وعرفناه من قوله سبحانه : { لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ الشعراء : 192 ] وقُدِّم الضمير على مرجعه لشهرته وعدم انصراف الذِّهْن إلا إليه ، فحين تقول : { هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } [ الإخلاص : 1 ] لا ينصرف إلا إلى الله ، { وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ الشعراء : 192 ] لا ينصرف إلا إلى القرآن الكريم . وقال : { لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ الشعراء : 192 ] . أي : أنه كلام الله لم أقلْهُ من عندي ، خاصة وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسبق له أنْ وقف خطيباً في قومه ، ولم يُعرف عنه قبل الرسالة أنه خطيب أو صاحب قَوْل . إذن : فهو بمقاييس الدنيا دونكم في هذه المسألة ، فإذا كان ما جاء به من عنده فلماذا لم تأتُوا بمثله ؟ وأنتم أصحاب تجربة في القول والخطابة في عكاظ وذي المجاز وذي المجنة ، فإن كان محمد قد افترى القرآن فأنتم أقدر على الافتراء لأنكم أهل دُرْبة في هذه المسألة . و { ٱلْعَالَمِينَ } [ الشعراء : 190 ] : كل ما سوى الله عزَّ وجلَّ لذلك كان صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين للإنس وللجن وللملائكة وغيرها من العوالم . لذلك لما نزلت : { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } [ الأنبياء : 107 ] " سأل سيدنا رسول الله جبريل عليه السلام : " أما لك من هذه الرحمة شيء يا أخي يا جبريل ؟ " فقال : نعم ، كنت أخشى سوء العاقبة كإبليس ، فلما أنزل الله عليك قوله : { ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي ٱلْعَرْشِ مَكِينٍ } [ التكوير : 20 ] أمنْتُ العاقبة ، فتلك هي الرحمة التي نالتني " . وليس القرآن وحده تنزيلَ رب العالمين ، إنما كل الكتب السابقة السماوية كانت تنزيلَ رب العالمين ، لكن الفرق بين القرآن والكتب السابقة أنها كانت تأتي بمنهج الرسول فقط ، ثم تكون له معجزة في أمر آخر تثبت صِدْقه في البلاغ عن الله . فموسى عليه السلام كان كتابه التوراة ، ومعجزته العصا ، وعيسى عليه السلام كان كتابه الإنجيل ، ومعجزته إبراء الأكمه والأبرص بإذن الله ، أما محمد صلى الله عليه وسلم فكان كتابه ومنهجه القرآن ومعجزته أيضاً ، فالمعجزة هي عَيْن المنهج . فلماذا ؟ قالوا : لأن القرآن جاء منهجاً للناس كافّةً في الزمان وفي المكان فلا بد - إذن - أن يكون المنهج هو عَيْن المعجزة ، والمعجزة هي عَيْن المنهج ، وما دام الأمر كذلك فلا يصنع هذه المعجزة إلا الله ، فهو تنزيل رب العالمين . أما الكتب السابقة فقد كانت لأمة بعينها في فترة محددة من الزمن ، وقد نزلتْ هذه الكتب بمعناها لا بنصِّها لذلك عيسى - عليه السلام - يقول : " سأجعل كلامي في فمه " أي : أن كلام الله سيكون في فم الرسول بنصِّه ومعناه من عند الله ، ما دام بنصِّه من عند الله فهو تنزيل رب العالمين . ثم يقول الحق سبحانه : { نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ … } .