Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 194-194)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

نزل القرآن على أذن رسول الله ، أم على قلبه ؟ الأذن هي : أداة السَمع ، لكن قال تعالى { عَلَىٰ قَلْبِكَ … } [ الشعراء : 194 ] لأن الأذن وسيلة عبور للقلب ، لأنه محلُّ التلقِّي ، وهو دينامو الحركة في جسم الإنسان ، فبالدم الذي يضخُّه في أعضاء الجسم وأجهزته تتولَّد الطاقات والقدرة على الحركة وأداء الوظائف . لذلك نرى المريض مثلاً يأخذ الدواء عن طريق الفم ، فيدور الدواء دروة الطعام ، ويُمتصُّ ببطء ، فإنْ أردتَ سرعة وصول الدواء للجسم تعطيه حقنة في العضل ، لكن الأسرع من هذا أن تعطيه حقنة في الوريد ، فتختلط بالدم مباشرة ، وتُحدِث أثرها في الجسم بسرعة ، فالدم هو وسيلة الحياة في النفس البشرية . إذن : قالقلب هو محلُّ الاعتبار والتأمل ، وليس لسماع الأذن قيمة إذا لم يَع القلب ما تسمع الأذن لذلك يقول سبحانه في موضع آخر : { قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ … } [ البقرة : 97 ] . فالمعنى : نزَّله على قلبك مباشرة ، كأنه لم يمرّ بالأذن لأن الله الله تعالى اصطفى لذلك رسولاً صنعه على عينه ، وأزال عنه العقبات البشرية التي تعوق هذه المباشرة ، فكأن قلبه صلى الله عليه وسلم منتبهاً لتلقّي كلام الله لأنه مصنوع على عَيْن الله ، أما الذين سمعوا كلام الله بآذانهم فلم يتجاوبوا معه ، فكانت قلوبهم مغلقة قاسية فلم تفهم . والقلب محل التكاليف ، ومُستقرّ العقائد ، وإليه تنتهي مُحصِّلة وسائل الإدراك كلها ، فالعيْن ترى ، والأذن تسمع ، والأنف يشمّ ، والأيدي تلمس … ثم يُعرض هذا كله على العقل ليختار بين البدائل ، فإذا اختار العقل واطمأن إلى قضية ينقلها إلى القلب لتستقر به لذلك نسميها عقيدة يعني : أمْر عقد القلب عليه ، فلم يَعُدْ يطفو إلى العقل ليبحث من جديد ، لقد ترسَّخ في القلب ، وأصبح عقيدة ثابتة . وفي آيات كثيرة نجد المعوّل والنظر إلى القلب ، يقول تعالى : { لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ … } [ الحج : 37 ] . وفي آية أخرى يُبيِّن أن التقوى محلُّها القلب : { ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ } [ الحج : 32 ] . وفي الشهادة يقول تعالى : { وَلاَ تَكْتُمُواْ ٱلشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ … } [ البقرة : 283 ] من أن الشهادة باللسان ، لا بالقلب . لذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه النعمان بن بشير : " ألا إن في الجسد مُضْغة ، إذا صَلُحتْ صَلُحَ الجسد كله ، وإذا فسدتْ فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب " . ويُحدِّثنا صحابة النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان ينزل عليه الوحي بآيات كثيرة بما يوازي رُبْعين أو ثلاثة أرباع مرة واحدة ، فإذا ما سُرِّى عنه صلى الله عليه وسلم قال : اكتبوا ، ثم يقرؤها عليهم مع وَضْع كل آية في مكانها من سورتها ، ثم يقرؤها صلى الله عليه وسلم في الصلاة ، فتكون هي هي كما أملاها عليهم ذلك لأن القرآن باشر قلبه لا أذنه . وكان صلى الله عليه وسلم لحِرْصه على حفظ القرآن يُردِّده خلف جبريل ويكرره حتى لا ينساه ، فأنزل الله عليه : { سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَىٰ } [ الأعلى : 6 ] . وقال في موضع آخر : { وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً } [ طه : 114 ] . وقال تعالى : { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَٱتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } [ القيامة : 16ـ19 ] . ومن عجيب أمر القرآن أنك لا تجد شخصاً يُلقي كلمة لمدة خمس دقائق مثلاً ، ثم يعيدها عليك كما قالها نَصّاً ، أمّا النبي صلى الله عليه وسلم فكانت تُلْقَى عليه السورة ، فيعيدها كما هي ، ذلك من قوله تعالى : { سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَىٰ } [ الأعلى : 6 ] . وقوله سبحانه : { لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُنْذِرِينَ } [ الشعراء : 194 ] المنذر : الذي يُحذِّر من الشر قبل وقوعه ليحتاط السامع فلا يقع في دواعي الشر ، ولا يكون الإنذار ساعةَ وقوع الشر ، لأنه في هذه الحالة لا يُجْدي ، وكذلك البشارة بالخير تكون قبل حدوثه لتحثَّ السامع على الخير ، وتحفزه إليه . ويقول سبحانه في آية أخرى : { لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ … } [ يس : 6 ] . فكما أنذر الرسلُ السابقون أقوامهم ، أنْذِر أنت قومك ، وانضمّ إلى موكب الرسالات . ثم يقول الحق سبحانه : { بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ … } .