Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 196-196)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الضمير في { وَإِنَّهُ … } [ الشعراء : 196 ] يصح أنْ يعود على القرآن كسابقه ، ويصح أنْ يعود على رسول الله ، ومعنى { زُبُرِ … } [ الشعراء : 196 ] جمع زبور يعني : مكتوب مسطور ، ولو أن العقول التي عارضتْ رسول الله ، وأنكرتْ عليه رسالته ، وأنكرتْ عليه معجزته فَطِنوا إلى الرسالات السابقة عليه مباشرة ، وهي : اليهودية والنَصرانية في التوراة والإنجيل لوجبَ عليهم أنْ يُصدِّقوه لأنه مذكور في كتب الأولين . كما قال سبحانه في موضع آخر : { إِنَّ هَـٰذَا لَفِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ } [ الأعلى : 18 - 19 ] . فالمبادىء العامة من العقائد والأخلاق والعدل الإلهي وقصص الأنبياء كلها أمور ثابتة في كل الكتب وعند جميع الأنبياء ، ولا يتغير إلا الأحكام من كتاب لآخر ، لتناسب العصر والأوان الذي جاءتْ فيه . وحين تقرأ قوله تعالى : { شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ … } [ الشورى : 13 ] . تقول : ولماذا - إذن - نزل القرآن ؟ ولماذا لم يَقُل وصَّينا به محمداً ؟ قالوا : لأن الأحكام ستتغير لتناسب كل العصور التي نزل القرآن لهدايتها ، ولكل الأماكن ، ولتناسب عمومية الإسلام . لذلك رُوِي عن عبد الله بن سلام وآخر اسمه ابن يامين ، وكانوا من أهل الكتاب ، وشهد كلاهما أنه رأى ذكر محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة ، وفي الإنجيل . والقرآن يقول عنهم : { يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ … } [ البقرة : 146 ] . ولما سمعها ابن سلام قال : ربنا تساهل معنا في هذه المسألة ، فوالله إني لأعرفه كمعرفتي لولدي ، ومعرفتي لمحمد أشد . ويقول تعالى في هذا المعنى : { ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ … } [ الأعراف : 157 ] . ويقول سبحانه على لسان عيسى عليه السلام حين يقف خطيباً في قومه : { وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي ٱسْمُهُ أَحْمَدُ … } [ الصف : 6 ] . إذن : { وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ ٱلأَوَّلِينَ } [ الشعراء : 196 ] أي : محمد صلى الله عليه وسلم أو هو القرآن الكريم ، فكلاهما صحيح لأن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم موجودة في هذه الكتب ، أو القرآن في عموم مبادئه في العقائد والأخلاق والبعث وسير الأنبياء . فكان الواجب على الذين جاءهم القرآن أنْ يؤمنوا به ، خاصة وأن رسول الله كان أمياً لم يجلس إلى معلم ، وتاريخه في ذلك معروف لهم ، حيث لم يسبق له أن قرأ أو كتب شيئاً . والقرآن يؤكد هذه المسألة ، فيقول تعالى مخاطباً نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم : { وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَّرْتَابَ ٱلْمُبْطِلُونَ } [ العنكبوت : 48 ] . { وَمَا كُنتَ ثَاوِياً فِيۤ أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ } [ القصص : 45 ] . { وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَى ٱلأَمْرَ … } [ القصص : 44 ] . { وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ … } [ آل عمران : 44 ] . فكل هذه الآيات وغيرها دليل على أنه صلى الله عليه وسلم لا عِِْلمَ له بها إلا بواسطة الوَحْي المباشر في القرآن الكريم ، وكان على القوم أن يؤمنوا به أول ما سمعوه . ثم يقول الحق سبحانه : { أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ … } .