Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 210-211)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لأنهم قالوا : إنما تنزَّلت الشياطين على محمد بالقرآن ، وكانوا يقولون ذلك لكل شاعر ماهر بشعره عندهم ، فلكل شاعر شيطان يُمليه الشِّعْر ، وعندهم وادٍ يُسمَّى وادي " عبقر " هو وادي الجن ، فيقولون : فلان عبقري أي : موصول بالجن في هذا الوادي . لكن ، كيف والكتاب نزل على محمد عدو للشياطين ، يلعنهم في كل مناسبة ، ويُحذِّر أتباعه منهم : { ٱلشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ ٱلْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِٱلْفَحْشَآءِ … } [ البقرة : 268 ] ويقول الحق سبحانه : { إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُواْ حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ } [ فاطر : 6 ] . فكيف - إذن - يمده الشيطان ويُمليه عليه ، وهو عدوه ؟ ولماذا لم يأتكم وأنتم أحباؤه ؟ هذه واحدة . الأخرى : { وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ } [ الشعراء : 211 ] إن الله جعل القرآن مُعْجزاً ومنهجاً ، والمعجزة لا يتسلَّط عليها إنس ولا جن فيفسدها ، لذلك قال سبحانه : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [ الحجر : 9 ] . أما الكتب السابقة فقد طلبتْ من المؤمنين بها أنْ يحفظوها ، وفَرْق بين الحفظ مني ، وطلب الحفظ منكم لأن الطلب تكليف وهو عُرْضة لأنْ يُطاع ولأنْ يُعصَى ، وقد جربنا حفظ البشر فلم يحافظوا على كتبهم السابقة لذلك تولّى الحق - سبحانه وتعالى - حِفْظ قرآنه بنفسه ، ولم يكِلْه إلى أحد من خَلْقه . لذلك تجد في هذا المجال كثيراً من العجائب والمفارقات ، فمع تقدُّم الزمن وطغيان الحضارات المعادية للإسلام ، والتي تُمطرنا كل يوم بوابل من الانحرافات والخروج عن تعاليم الدين ، ومِنّا مَنْ ينساق خلفهم ، وهذا كله ينقص من الأحكام المطبّقة من الإسلام . لكن مع هذا كله تجد القرآن يزداد توثيقاً ، ويزداد حفظاً ، ويتبارى حتى غير المسلمين في حِفْظ كتاب الله وتوثيقه ، والتجديد في طباعته ، حتى رأينا مصحفاً في ورقة واحدة ، ومصحفاً في حجم عقلة الإصبع ، ويفخر بعضهم الآن بأنه يملك أصغر مصحف في العالم … إلخ بصرف النظر عن دوافعهم مِنْ وراء هذا . المهم أن الله تعالى يُسخِّر حتى أعداء القرآن لحِفْظ القرآن { وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ } [ المدثر : 31 ] . أليس من وسائل نَشْر القرآن والمحافظة عليه آلات التسجيل وآلات تكبير الصوت التي تنشر كلام الله في كل مكان ؟ ولم يَلْق شيءٌ من الكتب السابقة مثل هذه العناية . إذن : فالعناية بالقرآن كنصٍّ لا تتناسب مع النقص في أحكامه وانصراف أهله عنها ، وكأن الله - عز وجل - يقول لنا : سأحفظ هذا النصَّ بغير المؤمنين به ، وسأجعلهم يُوثِّقونه ويهتمون به ليكون ذلك حجة عليكم . لذلك كان عند الألمان قبل الحرب العالمية خزانة بها أدراج ، في كل درج منها آية من القرآن ، يُحفظ به كل ما كُتب عن هذه الآية بدايةً من تفسير ابن عباس إلى وقتها ، وهذا دليل على أنهم مُسخَّرون بقوة خفية لا يقدر عليها إلا الله عز وجل { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [ الحجر : 9 ] . وسبق أن قلنا : إن بعض النساء يَسِرْنَ في الشوارع كاشفات عن صدورهن ، ومع ذلك تتحلّى بمصحف على صدرها ، وليتها تستر صدرها ولا تُعلِّق المصحف . فكيف تقولون تنزلت به الشياطين ، وقد جاء القرآن ليعلن لأهله عداءه لهم والحذر منهم ؟ كيف والشياطين لا تتنزل إلا على كفَّار أثيم ، وأنتم أوْلَى بأن تتنزَّل عليكم { وَإِنَّ ٱلشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىۤ أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ … } [ الأنعام : 121 ] . ومعنى : { وَمَا يَسْتَطِيعُونَ } [ الشعراء : 211 ] أن هذه المسألة فوق قدراتهم لأن الحق تبارك وتعالى قال : { إِنَّهُمْ عَنِ ٱلسَّمْعِ … } .