Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 214-214)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وهكذا نقل الأمر من رسول الله إلى أهله وعشيرته الأقربين ، ذلك ليطمئن الآخرون من قومه ، فهو يأمرهم بأمر ليس بنجْوة عنه ، فأول ما ألزم به ألزم نفسه ثم عشيرته ، وهذا أدْعى للطاعة وللقبول ، فأنت تردُّ أمري إذا كنتُ آمرك به ولا أفعله ، لكني آمرك وأسبقك إلى الفعل . لذلك سيدنا عمر - رضي الله عنه - وكان على المنبر يخطب في الناس ، ويقول : أيها الناس ، اسمعوا وأطيعوا ، فقام أعرابي وقال : لا سمعَ لك ولا طاعة ، انظر إلى هذه الجرأة على مَنْ ؟ على عمر وهو على المنبر - فقال له عمر : ولِمَ ؟ قال : لأن ثيابك أطول من ثيابنا - وكان القماش يُوزَّع بين المسلمين بالتساوي لا فَرْق بين طويل وقصير - فقال عمر لابنه عبد الله : قُم يا عبد الله لتُرِي الناس ، فقام عبد الله فقال : إن أبي رجل طِوَال - مبالغة في الطول - وثوبه في المسلمين لم يكْفِه ، فأعطيته ثوبي فوصَله بثوبه ، وها أنذا بمُرقَّعتي بينكم ، عندها قال الأعرابي : إذنْ نسمع ونطيع . لكن أين القدوة في دوائرنا ومصالحنا الحكومية الآن ؟ وأين هو رئيس المصلحة الذي يحضر ، ويجلس على مكتبه في الثامنة صباحاً ليكون قدوة لمرؤوسيه ؟ وإن من أشد ما ابتُلينا به أن نفقد القدوة في الرؤساء والمسئولين . لذلك أول ما وُجِّه التشريع والتكليف وُجِّه إلى رسول الله ، وإلى أقرب الناس إليه وهم عشيرته الأقربون لأن الفساد يأتي أول ما يأتي من دوائر القُرْبى والحاشية التي تحيط بالإنسان ، وقد يكون الرئيس أو الحاكم بخير ، لكن حاشيته هي سبب الفساد ، حيث تستغل اسمه في فسادها أو تُضلِّله وتُعمِّي عليه الحقائق … إلخ . لذلك كان سيدنا عمر - رضي الله عنه - ساعة يريد أن يُقرِّر شيئاً للأمة ، ويعلم أنه قَاسٍ عليهم يجمع أهله أولاً ويقول لهم : لقد شاء الله أن أقرر كذا وكذا ، فمَنْ خالفني منكم في شيء من هذا جعلته نكالاً لعامة المسلمين ، وهكذا يضمن أهله وأقاربه أولاً ، ويبدأ بهم تنفيذ ما أراده للمسلمين . وتأمل { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } [ الشعراء : 214 ] والإنذار كما ذكرنا التحذير من الشرِّ قبل أوانه ، فلم يقُلْ : بشِّر عشيرتك ، كأنه يقول له : إياك أنْ يأخذك به لين ورَأْفة ، أو عطف لقرابتهم لك ، بل بهم فابدأ . وقد امتثل رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا التوجيه ، فكان صلى الله عليه وسلم يقول لقرابته : " يا عباس يا عم رسول الله ، يا صفية عمة رسول الله ، يا فاطمة بنت محمد ، اعملوا فإني لا أغني عنكم من الله شيئاً ، ولا يأتيني الناس بأعمالهم ، وتأتوني بأنسابكم " . وفي الوقت الذي يدعوه إلى إنذار عشيرته الأقربين يقول في مقابلها : { وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ ٱتَّبَعَكَ … } .