Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 32-32)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

إلقاء العصا له في القرآن ثلاث مراحل : الأولى : هي التي واكبتْ اختيار الله لموسى ليكون رسولاً ، حين قال له : { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰمُوسَىٰ } [ طه : 17 ] وقلنا : إن موسى عليه السلام أطال في إجابة هذا السؤال لحرصه على إطالة مدة الأُنْس بالله - عز وجل - فقال : { هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ } [ اطه : 18 ] . فالعصا في نظر موسى - عليه السلام - عود من الخشب قريب عهد بأصله ، كغصن في شجرة ، لكنها عند الله لها قصة أخرى : { قَالَ أَلْقِهَا يٰمُوسَىٰ * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ } [ طه : 19 - 20 ] . وما صارت العصا عصاً إلا بعد أنْ قُطِعت من شجرتها ، وفقدت الحياة النباتية ، وتحولت إلى جماد ، فلو عادت إلى أصلها وصارت شجرةً من جديد لكان الأمر معقولاً ، لكنها تجاوزتْ مرتبة النباتية ، وتحولت إلى الحيوانية ، وهي المرتبة الأعلى لذلك فزع منها موسى وخاف فطمأنه ربه : { قَالَ خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيَرتَهَا ٱلأُولَىٰ } [ طه : 21 ] . وكانت هذه المرة بمثابة تدريب لموسى عليه السلام ليألف العصا على هذه الحالة ، وكأن الله تعالى أراد لموسى أنْ يُجري هذه التجربة أمامه ، ليكون على ثقة من صِدْق هذه الآية ، فإذا ما جاء لقاء فرعون ألقاها دون خوف ، وهو واثق من نجاحه في هذه الجولة . إذن : كان الإلقاء الثاني للعصا أمام فرعون وخاصته ، ثم كان الإلقاء للمرة الثالثة أمام السحرة . ومعنى { ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ } [ الشعراء : 32 ] يعني : بيِّن الثعبانية ، فيه حياة وحركة ، وقال { ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ } [ الشعراء : 32 ] يعني : واضح للجميع لأنهم كانوا يُجيدون هذه المسألة ويُخيِّلون للناس مثل هذه الأشياء ، ويجعلونها تسعى وتتحرك ، ولم تكن عصا موسى كذلك ، إنما كانت ثعباناً مبيناً واضحاً وحقيقياً لا يشكّ في حقيقته أحد . والمتتبع للقطات المختلفة لهذه الحادثة في القرآن الكريم يجد السياق يُسمِّيها مرة ثعباناً ، ومرة حية ، ومرة جاناً ، لماذا ؟ قالوا : لأنها جمعت كل هذه الصفات : فهي خفة حركتها كأنها جان ، وفي شكلها المرعب كأنها حية ، وفي التلوِّي كأنها ثعبان . والجان : فرخ الحية . ثم يقول الحق سبحانه : { وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ … } .