Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 85-85)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
بعد أن دعا لأمر في الدنيا ، ثم لأمر بعد موته دعا لنفسه بجنة النعيم الدائم في الآخرة ، ولا شك أن ربه - عز وجل - قد أجابه إلى هذه ، فهو من ورثة جنة النعيم ، بدليل قوله تعالى : { وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } [ البقرة : 130 ] . وكلمة ميراث الجنة وردتْ في القرآن أيضاً في قوله تعالى : { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْوَارِثُونَ * ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [ المؤمنون : 10 - 11 ] . والميراث أنْ تأخذ مِلكاً من آخر بعد موته ، فكيف تكون الجنة ميراثاً ؟ قال العلماء : إن الخالق - عز وجل - لم يخلق الجنة على قدر أهلها وكذلك النار ، إنما خلق الجنة تتسع للناس جميعاً ، إنْ آمنوا ، وخلق النار تتسع للناس جميعاً إنْ كفروا ذلك لأنه سبحانه خلق الخَلْق مختارين ، مَنْ شاء فليؤمن ، ومَنْ شاء فليكفر . وعليه ، فميراث الجنة يعني أنْ يرث المؤمنون أماكن الذين كفروا في الجنة ، يتقاسمونها فيما بينهم . والوارث يرث مال غيره وثمرة سعيه ، لكن لا يسأل عنها ، إنما يأخذها طيبة حتى إنْ جمعها صاحبها من الحرام ، إلا إنْ أراد الوارث أن يبرىء ذمة المورِّث ، فيردَ المظالم إلى أهلها . إذن : الوارث يأخذ الميراث دون مقابل فكأنه هِبة ، وعلى هذا المعنى يكون المراد بميراث الجنة أن الله تعالى أعطى عباده الطائعين الجنة هبةً منه سبحانه ، وتفضّلاً عليهم ، وليس بعملهم ، فالجنة جاءتهم كما يأتي الميراث لأهله دون تعب منهم ودون سَعْي . وهذا تصديق لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث النبوي : " لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله ، قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله برحمته " . قالوا : فالجنة ميراث لأن الأصل أنك لا تُجازَى على الخير الذي قدمته لأنه تكليف من الله تعالى يعود خيره عليك في الدنيا ، حيث تستقيم به حياتك وتسعد بها ، وما دام التكليف في صالحك ، فكيف تأخذ أجراً عليه ؟ كالوالد حيث يحثّ ولده على المذاكرة والجد في دروسه ، فهذا يعود نفعه على الولد ، لا على الوالد . وكأن ربك - عز وجل - يقول لك : ما دُمْتَ قد احترمتَ تكليفي لك ، وأطعتني فيما ينفعك أنت ، ولا يعود عليَّ منه شيء ، فحين أعطيك الجنة أعطيك بفضلي وهِبَة مني ، أو أننا نأخذ الجنة بالعمل ، والمنازل بالفضل . إذن : لا غِنَى لأحد مِنّا عن فَضْل الله . لذلك يقول سبحانه : { قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } [ يونس : 58 ] . هذا هو المعنى المراد بميراث الجنة ، وينبغي ألاَّ تعوِّل على عملك وطاعتك واجتهادك في العبادة ، واعلم أن النجاة لا تكون إلا برحمة الله وفضل منه سبحانه . ثم ترك الدعاء لذاته وانتقل لمن رباه فقال : { وَٱغْفِرْ لأَبِيۤ … } .