Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 1-1)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

تكلمنا كثيراً على هذه الحروف المقطَّعة في أوائل السور ، وهنا طس وهما حرفان من حروف المعجم ، وهي تُنطق هكذا طاء وسين لأنهما أسماء حروف ، وفَرْق بين اسم الحرف ومُسمَّاه ، فكلٌّ من الأمي والمتعلم يتكلم بحروف يقول مثلاً : كتب محمد الدرس . فإنْ طلبتَ من الأمي أن يتهجى هذه الحروف لا يستطيع لأنه لا يعرف اسم الحرف ، وإنْ كان ينطق بمُسمَّاه ، أمّا المتعلم فيقول : كاف تاء باء . ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان أمياً لا يعرف أسماء الحروف ، فهي إذن من الله لذلك كانت مسألة توقيفية ، فالحروف الٰم نطقنا بها في أول البقرة بأسماء الحروف ألف لام ميم ، أما في أول الانشراح فقلنا { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } [ الشرح : 1 ] بمسميات الحروف نفسها ، فنقول : أَلَم . و { تِلْكَ … } [ النمل : 1 ] اسم إشارة للآيات الآتية خلال هذه السورة ، وقُلْنا إن الآيات لها مَعَانٍ متعددة ، فقد تعني الآيات الكونية : كالشمس والقمر ، { وَمِنْ آيَاتِهِ ٱلَّيلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ … } [ فصلت : 37 ] . { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوۤاْ إِلَيْهَا … } [ الروم : 21 ] وهذه الآيات الكونية هي التي تلفتنا إلى عظمة الخالق - عزَّ وجلّ - وقدرته . والآيات بمعنى المعجزات المصاحبة للرسل ، والتي تثبت صِدْق بلاغهم عن الله ، والآيات بمعنى آيات القرآن الحاملة للأحكام ، وهي المرادة هنا { تِلْكَ آيَاتُ ٱلْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ } [ النمل : 1 ] . وسبق أنْ قال تعالى : { الۤرَ تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ } [ الحجر : 1 ] فمرة يقول { وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ } [ الحجر : 1 ] ومرة { وَكِتَابٍ مُّبِينٍ } [ النمل : 1 ] ويأتي بالكتاب ويعطف عليه القرآن ، أو يأتي بالقرآن ويعطف عليه الكتاب ، مع أنهما شيء واحد ، فكيف إذن يعطف الشيء على نفسه ؟ قالوا : إذا عطف الشيء على نفسه ، فاعلم أنه لزيادة وَصْف الشيء ، تقول : جاءني زيد الشاعر والخطيب والتاجر ، فلكلِّ صفة منها إضافة في ناحية من نواحي الموصوف ، فهو القرآن لأنه يُقرأ في الصدور ، وهو نفسه الكتاب لأنه مكتوب في السطور ، وهما معاً نُسمِّيهم مرة القرآن ومرة الكتاب ، أمّا الوصف فيجعل المغايرة موجودة . ومعنى { مُّبِينٍ } [ النمل : 1 ] بيِّن واضح ومحيط بكل شيء من أقضية الحياة وحركتها من أوامر ونواهٍ ، كما قال سبحانه : { مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَابِ مِن شَيْءٍ … } [ الأنعام : 38 ] . وسبق أنْ حكينا ما حدث مع الإمام محمد عبده - رحمه الله - حينما كان في فرنسا ، وسأله أحد المستشرقين : تقولون إن القرآن أحاط بكل شيء ، فكم رغيفا في إردبّ القمح ؟ فدعا الإمام الخباز وسأله فقال : كذا وكذا ، فقال المستشرق : أُريدها من القرآن ، قال الإمام : القرآن قال لنا : { فَاسْئَلُوۤاْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } [ الأنبياء : 7 ] . فهو كما قال تعالى : { مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَابِ مِن شَيْءٍ … } [ الأنعام : 38 ] . ثم يقول الحق سبحانه : { هُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ … } .