Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 24-24)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

معنا - إذن - في هذه القصة أحكام ثلاثة { لاَ نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ ٱلرِّعَآءُ … } [ القصص : 23 ] أعطَتْ حكماً و { وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ } [ القصص : 23 ] أعطتْ حُكْماً و { فَسَقَىٰ لَهُمَا … } [ القصص : 24 ] أعطت حكماً ثالثاً . وهذه الأحكام الثلاثة تُنظم للمجتمع المسلم مسألة عمل المرأة ، وما يجب علينا حينما تُضطر المرأة للعمل ، فمن الحكم الأول نعلم أن سَقْي الأنعام من عمل الرجال ، ومن الحكم الثاني نعلم أن المرأة لا تخرج للعمل إلا للضرورة ، ولا تؤدي مهمة الرجال إلا إذا عجز الرجل عن أداء هذه المهمة { وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ } [ القصص : 23 ] . أما الحكم الثالث فيعلم المجتمع المسلم أو حتى الإنساني إذا رأى المراة قد خرجت للعمل فلابد أنه ليس لها رجل يقوم بهذه المهمة ، فعليه أن يساعدها وأنْ يُيسِّر لها مهمتها . وأذكر أنني حينما سافرت إلى السعودية سنة 1950 ركبتُ مع أحد الزملاء سيارته ، وفي الطريق رأيته نزل من سيارته ، وذهب إلى أحد المنازل ، وكان أمامه طاولة من الخشب مُغطَّاة بقطعة من القماش ، فأخذها ووضعها في السيارة ، ثم سِرْنا فسألتُه عما يفعل ، فقال : من عاداتنا إذا رأيتُ مثل هذه الطاولة على باب البيت ، فهي تعني أن صاحب البيت غير موجود ، وأن ربة البيت قد أعدَّتْ العجين ، وتريد مَنْ يخبزه فإذا مَرَّ أحدنا أخذه فخبزه ، ثم أعاد الطاولة إلى مكانها . وفي قوله تعالى : { لاَ نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ ٱلرِّعَآءُ … } [ القصص : 23 ] إشارة إلى أن المرأة إذا اضطرتْ للخروج للعمل ، وتوفرْت لها هذه الضرورة عليها أنْ تأخذَ الضرورة بقدرها ، فلا تختلط بالرجال ، وأنْ تعزل نفسها عن مزاحمتهم والاحتكاك بهم ، وليس معنى أن الضرورة أخرجتْ المرأة لتقوم بعمل الرجال أنها أصبحتْ مثلهم ، فتبيح لنفسها الاختلاط بهم . وقوله تعالى : { ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } [ القصص : 24 ] فكان موسى - عليه السلام - طوال رحلته إلى مَدْين مسافراً بلا زاد حتى أجهده الجوع ، وأصابه الهزال حتى صار جِلْداً على عظم ، وأكل من بقل الأرض ، وبعد أن سقى للمرأتين تولَّى إلى ظلِّ شجرة ليستريح ، وعندها لَهَج بهذا الدعاء { رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } [ القصص : 24 ] . كأن الحق - سبحانه وتعالى - يريد من الضعيف أنْ يتجه إلى المعونة ، وحين يتجه إليها فلن يفعل هو ، إنما سيفعل الله له لذلك نلحظ أن موسى في ندائه قال { رَبِّ … } [ القصص : 24 ] واختار صفة الربوبية ، ولم يقُلْ يا الله لأن الألوهية تقتضي معبوداً ، له أوامر ونواهٍ ، أمّا الرب فهو المتولِّي للتربية والرعاية ، فقال : يا رب أنا عبدك ، وقد جئتَ بي إلى هذا الكون ، وأنا جائع أريد أن آكل . ومعنى { أَنزَلْتَ … } [ القصص : 24 ] أن الخير منك في الحقيقة ، وإنْ جاءني على يد عبد مثلي ذلك لأنك حين تُسلسل أيَّ خير في الدنيا لا بُدَّ أن ينتهي إلى الله المنعِم الأول ، وضربنا لذلك مثلاً برغيف العيش الذي تأكله ، بدايته نبتة لولا عناية الله ما نبتتْ . لذلك يقولون في الحمد لله صيغة العموم في العموم ، حتى إنْ حمدتَ إنساناً على جميل أسداه إليك ، فأنت في الحقيقة تحمد الله حيث ينتهي إليه كُلُّ جميل . إذن : فحمْد الناس من باطن حمد الله ، والحمد بكل صوره وبكل توجهاته ، حتى ولو كانت الأسباب عائدة على الله تعالى ، حتى يقول بعضهم : لا تحمد الله حتى تحمد الناس . ذلك لأن أَزِمّة الأمور بيده تعالى ، وإنْ جعل الأسباب في أيدينا ، وهو سبحانه القادر وحده على تعطيل الأسباب ، وأذكر أن بعض الدول باكستان أعلنت عن وفرة عندهم في محصول القمح ، وأنها ستكفيهم وتفيض عنهم للتصدير ، وقبل أنْ ينضج المحصول أصابته جائحة فأهلكته ، فاختلفت كل حساباتهم ، حتى استوردوا القمح في هذا العام . هذا معنى { رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } [ القصص : 24 ] فالخير منك يا رب ، وإنْ سُقْته إليَّ على يد عبد من عبيدك ، وفقري لا يكون إلا إليك ، وسؤالي لا يكون إلا لك . ولم يكَدْ موسى - عليه السلام - ينتهي من مناجاته لربه حتى جاءه الفرج : { فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي … } .