Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 44-44)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { بِجَانِبِ ٱلْغَرْبِيِّ … } [ القصص : 44 ] أي : الجانب الغربي من البقعة المباركة من الشجرة ، وهو المكان الذي كلَّم الله فيه موسى وأرسله { إِذْ قَضَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَى ٱلأَمْرَ … } [ القصص : 44 ] يعني : أمرناه به أمراً مقطوعاً به ، وهو الرسالة . { وَمَا كنتَ مِنَ ٱلشَّاهِدِينَ } [ القصص : 44 ] . ولك أنْ تسأل : إذا لم يكُنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم شاهداً لهذه الأحداث ، فمَنْ أخبره بها ؟ نقول : أخبره الله تعالى ، فإنْ قُلْت فربما أخبره بها شخص آخر ، أو قرأها في كتب السابقين . نقول : لقد شهد له قومه بأنه أُميٌّ ، لا يقرأ ولا يكتب ، ولم يُعْلَم عنه أنه جلس في يوم من الأيام إلى مُعلِّم ، كذلك كانوا يعرفون سيرته في حياته وسفرياته ورحلاته ، ولم يكُنْ فيها شيء من هذه الأحداث . لذلك لما اتهموا رسول الله أنه جلس إلى معلم ، وقالوا : كما حكى القرآن : { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ … } [ النحل : 103 ] ردَّ القرآن عليهم في بساطة : { لِّسَانُ ٱلَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ } [ النحل : 103 ] . وكانوا يقصدون بذلك حدادين روميين تردد عليهما رسول الله . وكذلك كانت الأمة التي بُعِث فيها رسول الله أمة أمية ، فمَّمن تعلَّم إذن ؟ وإذا كانت الأمية صفة مذمومة ننفر منها ، حتى أن أحد سطحيي الفهم يقول : لا تقولوا لرسول الله أميٌّ ونقول : إن كانت الأمية مَذمَّة ، فهي ميزة في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الأمي يعني المنسوب إلى الأم وما يزال على طبيعته لا يعرف شيئاً . واقرأ قوله تعالى : { وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً … } [ النحل : 78 ] ونقول في المثل فلان زي ما ولدتْه أمه يعني : لا يعرف شيئاً ، وهذه مذمة في عامة البشر لأنه لم يتعلم ممَّنْ حوله ، ولم يستفِدْ من خبرات الحياة . أما الأمية عند رسول الله فشرف لأن قصارى المتعلِّم في أيِّ أمة من الأمم أنْ يأخذ بطرفٍ من العلم من أمثاله من البشر ، فيكون مديناً له بهذا العلم ، أمَّا رسول الله فقد تعلم من العليم الأعلى ، فلم يتأثر في علمه بأحد ، وليس لأحد فضل عليه ولا منة . لذلك تعجب الدنيا كلها من أمة العرب ، هذه الأمة الأمية المتبدية التي لا يجمعها قانون ، إنما لكل قبيلة فيها قانونها الخاص ، يعجبون : كيف سادتْ هذه الأمةُ العالمَ ، وغزتْ حضارتهم الدنيا في نصف قرن من الزمان . ولو أن العرب أمة حضارة لقالوا عن الإسلام قفزة حضارية ، كما قالوا بعد انتصارنا في أكتوبر ، وبعد أن رأى رجالنا أشياء غير عادية تقاتل معهم ، حتى أنهم لم يشكُّوا في أنها تأييد من الله تعالى لجيش بدأ المعركة بصيحة الله أكبر ، لكن ثالث أيام المعركة طلع علينا في جرائدنا من يقول : إنه نصر حضاري ، وفي نفس اليوم فُتحت الثغرة في الدفرسوار . وعجيب أمر هؤلاء من أبناء جلدتنا لماذا تردُّون فضل الله وتنكرون تأييده لكم ؟ وماذا يضايقكم في نصر جاء بمدد من عند الله ؟ ألم تقرأوا : { وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ … } [ المدثر : 31 ] وبعد أن فُتحت الثغرة ماذا قدمتم لسدِّها ، تعالوا بفكركم الحضاري وأخرجونا من هذا المأزق . وإذا ثَقُلَ على هؤلاء الاعتراف بجنود الله بين صفوفهم ، أليس المهندس الذي اهتدى إلى فكرة استخدام ضغط الماء في فتح الطريق في بارليف لينفذ منه الجنود ، أليس من جنود الله ؟ لقد أخذتْ منَّا هذه الفكرة كثيراً من الوقت والجهد دون فائدة ، إلى أن جاء هذا الرجل الذي نوَّر الله بصيرته وهداه إلى هذه العملية التي لم تَأْتِ اعتباطاً ، إنما نتيجة إيمان بالله وقُرْب منه سبحانه وتضرُّع إليه ، فجزاه الله عن مصر وعن الإسلام خيراً . ومن العجيب ، بعد نهاية الحرب أنْ يُجروا للحرب بروفة تمثيلية ، فلم يستطيعوا اجتياز خط بارليف ، وهم في حال أمْن وسلام . نعود إلى قضية الأمية ونقول لمن ينادي بمحو الأمية عند الناس بأن يعلمهم من علم البشر ليتكم قُلْتُم نمحو الأمية عندهم لنعلمهم عن الله . إذن : فقوله تعالى : { وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَى ٱلأَمْرَ وَمَا كنتَ مِنَ ٱلشَّاهِدِينَ } [ القصص : 44 ] يعني : ما رأى محمد هذه الأحداث ولا حضرها ، ومنه قوله تعالى عن شهر رمضان : { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ … } [ البقرة : 185 ] يعني : حضره . ثم يقول الحق سبحانه : { وَلَكِنَّآ أَنشَأْنَا قُرُوناً فَتَطَاوَلَ … } .