Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 88-88)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَلاَ تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ … } [ القصص : 88 ] كسابقتها لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس مظنة أن يدعو مع الله إلهاً آخر { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ … } [ القصص : 88 ] أي : لا معبودَ بحق إلا هو . ولو كان معه سبحانه وتعالى آلهة أخرى لواجهوه : { قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَىٰ ذِي ٱلْعَرْشِ سَبِيلاً } [ الإسراء : 42 ] أي : سَعَوْا إليه لينازعوه الألوهية ، أو ليتقرَّبوا إليه . { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ … } [ القصص : 88 ] الوجه في عُرْفنا ما به المواجهة في الإنسان ، وكل شيء يصف به الحق سبحانه نفسه علينا أنْ نصفه سبحانه به ، بناءً على وصفه في إطار قوله سبحانه { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ … } [ الشورى : 11 ] . فالحق سبحانه له وجه ، لكن ليس ككل الوجوه ، وهكذا في كل الصفات التي يشترك فيها الحق سبحانه مع الخَلْق ، وأنت آمنتَ بوجود الله ، وأن وجوده ذاتي ، ليس كوجودك أنت . وقوله : { كُلُّ شَيْءٍ … } [ القصص : 88 ] كلمة شيء يقولون : إنها جنس الأجناس يعني : أي موجود طرأ عليه الوجود يسمى شيء مهما كان تافهاً ضئيلاً . وقد تكلم العلماء في : أيطلق على الله تعالى أنه شيء لأنه موجود ؟ قالوا : ننظر في أصل الكلمة شيء من شاء شيئاً ، فالشيء شاءه غيره ، فأوجده لذلك لا يقال لله تعالى شيء لأنه سبحانه ما شاءه أحد ، بل هو سبحانه موجود بذاته . وفي آية أخرى يقول تعالى في عمومية الشيء : { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ … } [ الإسراء : 44 ] يعني : كل ما يُقال له شيء موجود سبق وجوده عدم ، إلا يسبح بحمد الله ، البعض قال : هو تسبيح دلالة على موجدها ، وليس تسبيح مقالة حقيقية ، لكن قوله سبحانه { وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ … } [ الإسراء : 44 ] يدل على أنه تسبيح حقيقي ، فكل شيء يُسبِّح بلغته وبما يناسبه . وقد أثبت الله تعالى منطقاً للطير وتسبيحاً للجبال ، ولو فهمتَ لغة هذه الأشياء لأمكنك أنْ تعرف تسبيحها ، لكن كيف نطمع في معرفة لغات الحجر والشجر ، ونحن لا نفهم لغات بعضنا ، فإذا لم تكن تعرف مثلاً الإنجليزية ، أتعرف ماذا يقول المتحدث بها لو سبّح بها الله وهو بشر مثلك يتكلَّم بنفس طريقتك وبنفس الأصوات ؟ لذلك يقولون في معجزاته صلى الله عليه وسلم : سبَّح الحصى في يده ، والصواب أن نقول : سمع رسول الله تسبيح الحصى في يده ، وإلاَّ فالحصى يُسبِّح في يد رسول الله ، ويُسبِّح في يد أبي جهل . ومن ذلك أيضاً حنين الجذع لرسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم ألم يقل الحق سبحانه : { وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَىٰ ٱلنَّحْلِ … } [ النحل : 68 ] . ألم يَقُلْ عن الأرض : { بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا } [ الزلزلة : 5 ] ؟ ألم يُثبت للنملة كلاماً ؟ ألم يكلم الهدهد سليمانَ عليه السلام ، وفهم منه سليمانُ ؟ إذن : لكل جنس من المخلوقات لغته التي يفهمها أفراده عن بعض { كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ … } [ النور : 41 ] وإنْ شاء الله أطلع بعض خَلْقه على هذه اللغات ، وأفهمه إياها . ومعنى : { هَالِكٌ … } [ القصص : 88 ] البعض يظن أن الهلاك خاصٌّ بما فيه روح كالإنسان والحيوان ، لكن لو وقفنا عند قوله تعالى : { لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ … } [ الأنفال : 42 ] . إذن : فالهلاك يقابله الحياة ، فكل شيء يهلك كانت له حياة تناسبه ، وإنْ كنا لا نفهم إلا حياتنا نحن ، والتي تذهب بخروج الروح . ومعنى : { إِلاَّ وَجْهَهُ … } [ القصص : 88 ] أي : إلا ذاته تعالى ، ولم يقُلْ : إلا هو لأنه تعالى ليس شيئاً ، وللوجه هنا معنى آخر ، كما نقول : فعلتُ ذلك ابتغاءَ وجه الله يعني : فعلت والله في بالي ، فالمعنى : كل شيء هالك ، إلا ما كان لوجه الله ، فلا يهلك أبداً لأنه يبقى لك وتنال خيره في الدنيا وثوابه في الآخرة . ثم يقول سبحانه : { لَهُ ٱلْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [ القصص : 88 ] أي : له الحكم في الآخرة يوم يقول : { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ … } [ غافر : 16 ] لكن لماذا خصَّ الملك يوم القيامة ، وهو سبحانه له الملْك الدائم في الدنيا وفي الآخرة ؟ قالوا : لأن هناك مُلْكاً في الدنيا ، يُملِّكه لخَلْقه ، كما قال سبحانه في النمرود : { أَنْ آتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ … } [ البقرة : 258 ] وقال سبحانه : { تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ … } [ آل عمران : 26 ] . إذن : فالملْك مُلْك الله ، وهو سبحانه الذي يُملِّك خَلْقه في الدنيا دنيا الأسباب ، لكن في الآخرة تُنزع الملكية من أيِّ أحد إلا لله وحده . حتى إرادة الإنسان على جوارحه تُسلَب منه ، فتشهد عليه بما كان منه في الدنيا . وإنْ أردتَ أن تعرف الآن صِدْق هذه المسألة فانظر إلى الأمور القدرية التي تجري عليك ، كالمرَض وكالموت وغيرها ، هل تستطيع أن تتأبى عليها ؟ ثم يقول سبحانه : { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [ القصص : 88 ] أي : للحساب في الآخرة لأن الله تعالى لم يخلقنا عَبثاً ، ولن يتركنا هملاً ، بل لا بد من الرجوع إليه ليحاسب كلاً منكم على ما قدَّم ، وما دُمْتم قد عرفتم ذلك ، فعليكم أن تحترموا المرجع إلى الله ، وتنظروا ماذا طلب منكم . والمتتبع لهذا الفعل في القرآن يجد أنه جاء مرة مبنياً للمجهول تُرجعون وهو للكافر الذي تأبَّى على الله ، فنقول له : ستُرجع إلى الله ، وتٌقذف في النار غَصباً عنك ، ورَغْماً عن أنفك ، فإنْ تأبَّيْتَ على الله في الدنيا ، فلن تتأبَّى عليه في الآخرة ، ويأتي مبنياً للمعلوم ترجعُون وهو للمؤمن الذي يشتاق لثواب الآخرة فيتهافت بنفسه ويُقبل عليه .