Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 29, Ayat: 10-10)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يِقُولُ آمَنَّا بِٱللَّهِ … } [ العنكبوت : 10 ] دليل على القول باللسان ، وعدم الصبر على الابتلاء ، فالقول هنا لا يؤيده العمل ، ولمثل هؤلاء يقول تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } [ الصف : 2 ] . ويقول تعالى في صفات المنافقين : { إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُنَافِقُونَ قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } [ المنافقون : 1 ] فالله تعالى لا يُكذِّبهم في أن محمداً رسول الله ، إنما في شهادتهم أنه رسول الله لأن الشهادة لا بُدَّ لها أنْ يواطئ القلب اللسان ، وهذه لا تتوفر لهم . ومعنى : { فَإِذَآ أُوذِيَ فِي ٱللَّهِ … } [ العنكبوت : 10 ] أي : بسبب الإيمان بالله ، فلم يفعل شيئاً يؤذى من أجله ، إلا أنه آمن { جَعَلَ فِتْنَةَ ٱلنَّاسِ كَعَذَابِ ٱللَّهِ … } [ العنكبوت : 10 ] فتنة الناس أي : تعذيبهم له على إيمانه كعذاب الله . إذن : خاف عذاب الناس وسوَّاه بعذاب الله الذي يحيق به إنْ كفر ، وهذا غباء في المساواة بين العذابين لأن عذابَ الناس سينتهي ولو بموت المؤذي المعذِّب ، أما عذاب الله في الآخرة فباقٍ لا ينتهي ، والناس تُعذَّب بمقدار طاقتها ، والله سبحانه يُعذب بمقدار طاقته تعالى وقدرته ، إذن : فالقياس هنا قياس خاطئ . وإنْ كانت هذه الآية قد نزلت في عياش بن أبي ربيعة ، فالقاعدة الأصولية تقول : إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، وكان عياش بن أبي ربيعة أخا عمرو بن هشام أبو جهل والحارث بن هشام من الأم التي هي أسماء . فلما أنْ أسلم عياش ثم هاجر إلى المدينة فحزنت أمه أسماء ، وقالت : لا يظلني سقف ، ولا أطعم طعاماً ، ولا أشرب شراباً ، ولا أغتسل حتى يعود عياش إلى دين آبائه ، وظلت على هذه الحال التي وصفتْ ثلاثة أيام حتى عضَّها الجوع ، فرجعت . وكان ولداها الحارث وأبو جهل قد انطلقا إلى المدينة ليُقنِعا عياشاً بالعودة لاسترضاء أمه ، وظلا يُغريانه ويُرقّقان قلبه عليها ، فوافق عياش على الذهاب إلى أمه ، لكنه رفض الردة عن الإسلام ، فلما خرج الثلاثة من المدينة قاصدين مكة أوثقوه في الطريق ، وضربه أبو جهل مائة جلدة ، والحارث مائة جلدة . لكن كان أبو جهل أرأف به من الحارث لذلك أقسم عياش بالله لئن أدركه يوماً ليقتلنه حتى إنْ كان خارجاً من الحرم ، وبعد أن استرضى عياش أمه عاد إلى المدينة ، فقابل أخاه الحارث عند قباء ، ولم يكن يعلم أنه قد أسلم فعاجله ، ونفّذ ما توعده به فقتله ، ووصل خبره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزلت الآية : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً … } [ النساء : 92 ] . ونزلت : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يِقُولُ آمَنَّا بِٱللَّهِ فَإِذَآ أُوذِيَ فِي ٱللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ ٱلنَّاسِ كَعَذَابِ ٱللَّهِ … } [ العنكبوت : 10 ] أي : أراد أنْ يفرّ من عذاب الناس فكفر ، ولم يُرد أن يفرّ من عذاب الله ويؤمن . وقوله تعالى : { وَلَئِنْ جَآءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ … } [ العنكبوت : 10 ] أي : اجعلوا لنا سهماً في المغنم { أَوَ لَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ ٱلْعَالَمِينَ } [ العنكبوت : 10 ] فالله سبحانه يعلم ما يدور في صدورهم وما يتمنونه لنا ولذلك يقول سبحانه عنهم : { لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً } [ التوبة : 47 ] . ثم يقول الحق سبحانه : { وَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ … } .