Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 29, Ayat: 62-62)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ … } [ العنكبوت : 62 ] : يُوسِّعه ، { وَيَقْدِرُ … } [ العنكبوت : 62 ] يعني يضيق ، وآفة الناس في هذه المسألة أنهم لا يفسرون الرزق إلا بالمال ، والرزق في الواقع كل ما ينتفع به الإنسان ، فالعلم رزق ، والحلم رزق ، والجبروت رزق ، والاستكانة رزق ، وإتقان الصَّنْعة رزق … إلخ . والله سبحانه يُوسِّع الرزق لمَنْ يشاء ، ويُضيِّقه على مَنْ يشاء ، فالذي ضُيِّق عيه يحتاج لمن بسط له ، وكذلك يبسط الرزق في شيء ويُضيِّقه في شيء آخر ، فهذا بسط له في العقل مثلاً ، وضيق عليه في المال . فكأن الحق - سبحانه وتعالى - نثر مواهب الملكات بين خَلْقه ، لم يجمعها كلها في واحد ، وسبق أن أوضحنا أن مجموع الملكات عند الجميع متساوية في النهاية ، فَمنْ بُسِط له في شيء ضُيِّق عليه في آخر ليظل المجتمع مربوطاً برباط الاحتياج ، ولا يستغني الناس بعضهم عن بعض ، وحتى تتكامل المواهب بين الناس ، فتتساند لا تتعاند . إذن : فالحق - سبحانه وتعالى - حين يبسط الرزق لعبد ، ويَقْدره على آخر ، لا يعني هذا أنه يحب الأول ويكره الآخر ، ولو نظرتَ إلى كل جوانب الرزق وزوايا العطاء لوجدتها متساوية . وحين نتأمل قوله سبحانه : { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ … } [ الزخرف : 32 ] فأيُّ بعض مرفوع ؟ وأيُّ بعض مرفوع عليه ؟ الكل مرفوع في جهة اختصاصه ، ومرفوع عليه في غير جهة اختصاصه ، إذن : فالجميع سواء . وسبق أنْ ضربنا مثلاً لهذه القضية . وقلنا : إن العظيم الذي يسكن القصر يحتاج إلى العامل البسيط الذي يصلح له دورة المياه ، وينقذه من الرائحة الكريهة التي يتأفف منها ، فيسعى هو إليه ويبحث عنه ، وربما ذهب إليه في محل عمله وأحضره بسيارته الفارهة ، بل ويرجوه إنْ كان مشغولاً . ففي هذه الحالة ، ترى العامل مرفوعاً على الباشا العظيم ، فلا يظهر الرفع إلا في وقت الحاجة للمرفوع . وأيضاً لو لم يكُنْ بين الناس غني وفقير ، مَنْ سيقضي لنا المصالح في الحقل ، وفي المصنع ، وفي السوق … إلخ لا بُدَّ أنْ تُبنى هذه المسائل على الاحتياج ، لا على التفضُّل . إذن : إنْ أردت أن تقارن بين الخَلْق فلا تحقِرنَّ أحداً لأنه قد يفضل عليك في موهبة ما ، فتحتاج أنت إليه . ثم يقول الحق سبحانه : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّن نَّزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ … } .