Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 29, Ayat: 66-66)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
واللام في { لِيَكْفُرُواْ … } [ العنكبوت : 66 ] ليست لام التعليل لأن الكفر لم يكُنْ مقصداً لهم ، وحين عادوا بعد أن نجاهم الله إنما عادوا إلى أصلهم ، فاللام هنا لام الأمر كما لو قلت : قم يا زيد وليقم عمرو ، وعلامة لام الأمر أن تكون ساكنة ، وهي هنا مكسورة لأنها في بداية الكلام ، حيث لا يُبدأ بساكن ، ولو وضعنا قبلها حرفاً لتبيَّن سكونها . ومثالها في قوله تعالى : { وَلْيَطَّوَّفُواْ بِٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ } [ الحج : 29 ] . وقوله سبحانه : { لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّآ آتَاهُ ٱللَّهُ … } [ الطلاق : 7 ] . والدليل على أنها لام الأمر سكون اللام بعدها في قراءة من سكنها ، وفي { وَلِيَتَمَتَّعُواْ … } [ العنكبوت : 66 ] وقوله سبحانه : { فَسَوْفَ يَعلَمُونَ } [ العنكبوت : 66 ] فرْق في الاستقبال بين السين وسوف ، فلو قال : فسيعلمون لَدلَّتْ على التهديد في المستقبل القريب ، وأنه سيحل بهم العذاب في الدنيا ، أمّا " سوف " فتدلّ على المستقبل البعيد ، فتشمل التهديد في الدنيا وفي الآخرة فهي تستغرق الزمن كله لأن المسلمين في بادىء الأمر كانوا مستضعفين ، لا يستطيعون حماية أنفسهم ، وذهبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلبون منه أن يستنصر الله لهم فلو قال حينئذ في تهديد الكفار " فسيعلمون " لم تكن مناسبة ، إنما أعطى الأمد الأوسع للتهديد ، فقال : { فَسَوْفَ يَعلَمُونَ } [ العنكبوت : 66 ] . لذلك تجد الدقة في أخْذ العهد من الأنصار للرسول صلى الله عليه وسلم ، ومن الرسول للأنصار ، فلما قابلوا رسول الله قالوا : خُذْ لنفسك . قال : تحمونني مما تحمون منه أنفسكم وأعراضكم وأموالكم . فقالوا : فما لنا إنْ فعلنا ؟ كان من الممكن أن يقول لهم : ستملكون الأرض أو ستنتشر دعوة الله بكم وتنتصرون على عدوكم ، لكن هذه الوعود قد يراها بعضهم ، ويموت بعضهم قبل أنْ تتحقق ، فلا يرى منها شيئاً لذلك ذكر لهم جزاءً يستوي فيه الجميع مَنْ يعيش منهم ، ومَنْ يموت ، فقال : " لكم الجنة " . وأيضاً حين يصرفهم عن دنيا الناس إلى أمر يكون في الدنيا أيضاً ، فهي صفقة خاسرة ، إنما أراد أنْ يصرفهم عن دنيا الناس إلى شيء أعظم مما في دنيا الناس ، وليس هناك أعظم من دنيا الناس إلا الجنة . والصحابي الذي أخبره النبي صلى الله عليه وسلم بأن الجنة جزاء الشهيد ، وكان يمضغ تمرة في فمه فقال : يا رسول الله ، أليس بيني وبين الجنة إلا أنْ أُقتل في سبيل الله ؟ قال : بلى ، فألقى التمرات وبادر إلى ساحة القتال يستعجل هذا الجزاء . إذن : فسوف صالحة للزمن المستقبل كله ، أمّا السين فللقريب لذلك يستخدمها القرآن في مسائل الدنيا ، كما في قوله تعالى : { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ … } [ فصلت : 53 ] . وهذه الرؤية ممتدة من زمن رسول الله ، وإلى أنْ تقوم الساعة ، فكل يوم يجدُّ في ظواهر الكون أمور تدل على قدرة الله تعالى ، فمستقبل أسرار الله في كونه لا تنتهي أبداً إلا بالسر الأعظم في الآخرة ، ففي زمن رسول الله قال { سَنُرِيهِمْ … } [ فصلت : 53 ] وستظل كذلك { سَنُرِيهِمْ … } [ فصلت : 53 ] إلى أنْ تقوم الساعة . ونلحظ أن المصاحف ما زال في رسمها كلام حتى الآن ، فهنا { وَلِيَتَمَتَّعُواْ … } [ العنكبوت : 66 ] تجد تحت اللام كسرة ، مع أنها ساكنة ، وهذا يعني أن كتاب الله غالب ، وليس هناك محصٍ له . وأذكر أن سيدنا الشيخ عبد الباقي رضي الله عنه وجزاه الله عَمَّا قدَّم للإسلام خير الجزاء - أعدَّ المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم وحاول أن يحصي ألفاظه لا سيما لفظ الجلالة الله الذي من أجله أعدَّ هذا الكتاب ، ومع ذلك نسي لفظ الجلالة في البسملة ، وبدأ من { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ الفاتحة : 2 ] لذلك نقص العدد عنده واحداً . وما ذلك إلا لأن كتاب الله أعظم وأكبر من أنْ يُحاط به . ثم يقول الحق سبحانه : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً … } .