Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 102-102)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
إن الله قد أعطى المؤمنين المناعة أولاً بألا يسمعوا كلام أعداء الدين . وحين نسمع كلمة " اتقوا " فلنفهم أن هناك أشياء تسبب لك التعب والأذى ، فعليك أن تجعل بينك وبينها وقاية ، ولذلك قال الحق : { وَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِيۤ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } [ آل عمران : 131 ] . إنه الحق يطلب من الإنسان أن يجعل بينه وبين النار وقاية وحجاباً يقيه منها . والحق سبحانه وتعالى حين يقول على سبيل المثال : { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } [ المائدة : 4 ] . أي اجعل بينك وبين الله حجاباً يقيك من غضبه . وقد يقول قائل : كيف يكون ذلك وأنا كمؤمن أريد أن إعيش في معية الله ؟ نقول : إنك تجعل الوقاية لنفسك من صفات جلال الله ، وأنت تستظل بصفات الجمال ، فالمؤمن الحق هو من يجعل لنفسه وقاية من صفات الجلال ، وهي القهر والجبروت وغيرها ، وكذلك النار إنّها من جنود صفات جلال الله . فحين يقول الحق : " اتقوا النار " أو " اتقوا الله " فالمعنى واحد . وعندما يسمع إنسان قول الحق سبحانه : { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } [ آل عمران : 102 ] ماذا تعني حق تقاته ؟ إن كلمة " حق " - كما نعرف - تعني الشيء الثابت الذي لا يزول ولا يتزحزح ، أي لا ينتهي ولا يتذبذب ، هذا هو الحق . إذن ما حق التقى ؟ هو أن يكون إيمانك أيها المؤمن إيماناً راسخاً لا يغادرك ولا تتذبذب معه ، واتقاء الله حق تقاته هو اتباع منهجه ، فيطاع الله باتباع المنهج فلا يعصي ، ويُذكر فلا ينسى ، ويُشكر ولا يُكفر . وطريق الطاعة يوجد في اتباع المنهج بـ " افعل " و " لا تفعل " ويذكر ولا ينسى لأن العبد قد يطيع الله ، وينفذ منهج الله ، ولكن النعم التي خلقها الله قد تشغل العبد عن الله ، والمنهج يدعوك أن تتذكر في كل نعمة من أنعم بها ، وإياك أن تنسيك النعمة المنعم . ويشكر العبد الله ولا يكفر بالنعم التي وهبها له الله . وما دمت أيها العبد تستقبل كل نعمة وتردها إلى الله وتقول : " ما شاء الله ، لا قوة إلا بالله " ولا تكفر بالنعم أي أنك تؤدي حق النعمة ، وكل نعمة يؤدي العبد حقها تعني أنها نعمة شكر العبد ربه عليها ، ولم يكفر بها . وقيل في معنى : " حق تقاته " أي أَنه لا تأخذك في الله لومة لائم ، أو أن تقول الحق ولو على نفسك . هذا ما يقال عنه " حق التقى " ، أي التقى الحق الذي يعتبر تقى بحق وصدق . وقال العلماء : إن هذه الآية عندما نزلت وسمعها الصحابة ، استضعف الصحابة نفوسهم أمام مطلوبها ، فقال بعضهم : من يقدر على حق التقى ؟ ويقال : إن الله أنزل بعد ذلك : { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ … } [ التغابن : 16 ] . فهل معنى هذا أن الله كلف الناس أولاً ما لا يستطيعون ، ثم قال من بعد ذلك : " فاتقوا الله ما استطعتم " ؟ لا ، إنه الحق سبحانه لا يكلف إلا بما في الوسع ، والناس قد تخطئ الفهم لقوله تعالى : " فاتقوا الله ما استطعتم " فيقول العبد : أنا غير مستطيع أن أقوم بذلك التكليف ، ويظن هذا العبد أن التكليف يسقط عنه . لا ، إن هذا فهم خاطئ إن قوله الحق : " فاتقوا الله ما استطعتم " أي إنك تتقي الله بما كان في استطاعتك من الوسع ، فما باستطاعتك أن تقوم به عليك أن تقوم به . فلا يهرب أحد إلى المعنى المناقض ويقول : أنا غير مستطيع لأن الله يعلم حدود استطاعتك . وساعة تكون غير مستطيع فهو - سبحانه - الذي يخفف … إنك لا تخفف أنت على نفسك أيها العبد ، فالخالق الحق هو الذي يعلم إذا كان الأمر خارجاً عن استطاعتك أو لا ، وساعة يكون الأمر خارجاً عن استطاعتك فالله هو الذي يخفف عنك . ولذلك فعلى الإنسان ألا يستخدم القول الحق : { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا … } [ البقرة : 286 ] . في غير موضعه لأن الإنسان لا يستطيع أن يقدر الوسع ، ثم يبني التكليف على الوسع . بل عليك أن تفهم أيها الإنسان أن الله هو الذي خلق النفس ، وهو الذي أنزل التكليف لوسع النفس ، وما دام الخالق للنفس هو الله فهو العليم بوسع النفس حينما قرر لها المنهج . إنه سبحانه الذي كلف ، وهو العليم بأن النفس قد وسعت ، ولذلك فهو لا يكلف نفسا إلا وسعها . فإن كان سبحانه قد كلف فاعلم أيها العبد أنه سبحانه قد كلف بما في وسعك ، وعندما يحدث للإنسان ما يشق عليه أو يمنعه من أداء ما كلف به تاماً فهو - سبحانه - يضع لنا التخفيف وينزل لنا الرخص . مثال ذلك : المريض أو الذي على سفر ، له رخصة الإفطار في رمضان ، والمسافر له أن يقصر الصلاة . إذن فالله سبحانه هو الذي علم حدود وسع النفس التي خلقها ، ولذلك لا تقدر وسعك أولاً ثم تقدر التكليف عليه ، ولكن قدّر التكليف أولاً ، وقل : ما دام الحق قد كلف فذلك في الوسع . وفي تذييل الآية الكريمة بقوله : { وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ } [ آل عمران : 102 ] نجد أنفسنا أمام نهي عن فعل وهو : عدم الموت إلا والإنسان مسلم . كيف ذلك ؟ أيقول لك أحد : لا تمت ؟ إن ذلك الأمر ليس لك فيه اختيار لأنه أمر نازل عليك . فإذا قيل لك : لا تمت ، فإنك تتعجب لأن أحداً لا يملك ذلك ، ولكن إذا قيل لك : لا تمت إلا وأنت مسلم ، فأنت تفكر ، وتصل بالتفكير إلى أن الفعل المنهي عنه : لا تمت ليس في قدرة الإنسان ولكن الحال الذي يقع عليه الفعل وهو : إلا وأنت مسلم ، في قدرة الإنسان لذلك تقول لنفسك : إن الموت يأتي بغير عمل مني ، ولكن كلمة : إلا وأنت مسلم ، فهي باستطاعتي ، لأن الإسلام يكون باختياري . صحيح أنك لا تعرف متى يقع عليك الموت ؟ ولذلك تحتاط والاحتياط يكون بأن تظل مسلماً حتى يصادفك الموت في أي لحظة وأنت مسلم . إذن … فقول الله : { وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ } [ آل عمران : 102 ] هو نهي عن الفعل الأول وهو ليس باختيارنا . والحال الذي لنا فيه اختيار هو { وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ } [ آل عمران : 102 ] فكيف نوفق بين الأمرين ؟ إن الموت لا اختيار لأحد فيه ، ولا يعلم أحد منا متى يقع عليه ، ولذلك نأتي إلى الأمر الذي لنا فيه اختيار ، وهو أن نحرص على أن نكون مسلمين ، ويظل كل منا متمسكاً بأهداب الإسلام ، فإن صادف الموت في أي لحظة يكون مسلماً وكأن الحق سبحانه يقول لنا : تمسكوا بإسلامكم لأنكم لا تدرون متى يقع عليكم الموت . وإخفاء الموت عن الإنسان ليس إبهاما كما يظن البعض ، لا إنه منتهي البيان الواسع لأن إخفاء الموت ، وميعاده عن الإنسان زمناً وحالاً ، وسنا وسببا ، كل ذلك يوضح الموت أوضح بيان . لماذا ؟ لأن الله حين استأثر بعلم الموت فالإنسان منا يترقب الموت في أي لحظة وما دام الإنسان مترقباً للموت في أي لحظة فهذا بيان واسع بل هو أوسع بيان . ويقول الحق بعد ذلك : { وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً … } .