Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 120-120)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والقرآن كلام الله وله - سبحانه - الطلاقة التامة والغنى الكامل ، والعبارات في المعنى الواحد قد تختلف لأن كل مقام له قوله ، وسبحانه يحدد بدقة متناهية اللفظ المناسب … إنه هو سبحانه الذي قال : { إِنَّ ٱلإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ ٱلْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلاَّ ٱلْمُصَلِّينَ * ٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ دَآئِمُونَ } [ المعارج : 19 - 23 ] . وهو سبحانه الذي قال : { مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } [ النساء : 79 ] . إنه جل وعلا يتكلم عن المس في الشر والخير ، ومرة يتكلم عما يحدث للإنسان كإصابة في الخير أو في الشر ، وفي الآية التي نحن بصدد الخواطر عنها تجد خلافاً في الأسلوب فسبحانه يقول : { إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا } [ آل عمران : 120 ] إنه لم يورد الأمر كله مَسًّا ، ولم يورده كله " إصابة " إنه كلام رب حكيم وعندما نتمعن في المعنى فإن الواحد منا يقول : هذا كلام لا يقوله إلا رب حكيم . ولنتعرف الأن على " المس " و " الإصابة " بعض العلماء قال : إن المس والإصابة بمعنى واحد ، بدليل قوله الحق : { إِنَّ ٱلإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ ٱلْخَيْرُ مَنُوعاً } [ المعارج : 19 - 21 ] . ولكننا نقول إن المس هو إيجاد صلة بين الماس والممسوس ، فإذا مس الرجل امرأته ، فنحن نأمره بالوضوء فقط لأنه مجرد التقاء الماس بالممسوس والأمر ليس أكثر من التقاء لا تحدث به الجنابة فلا حاجة للغسل ، أما الإصابة فهي التقاء وزيادة فالذي يضرب واحداً صفعة فإنه قد يورم صدغة ، فالكف يلتقي بالخد ، ويصيب الصدغ ، وهكذا نعرف أن هناك فرقاً بين المس والإصابة ، وحين يقول الحق : { إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ } [ آل عمران : 120 ] . فمعنى ذلك أن الحسنة الواقعة بسيطة ، وليست كبيرة إنها مجرد غنيمة أو قليل من الخير … وفي حياتنا اليومية نجد من يمتلئ غيظاً لأن خصمه قد كسب عشرة قروش ، وقد يجد من يقول له : لماذا لا تدخر غيظك إلى أن يكسب مائة جنيه مثلاً ؟ ومثل هذا الغيظ من الحسنة الصغيرة هو دليل على أن أي خير يأتي للمؤمنين إنما يسبب التعب والكدر للكافرين . فمجرد مس الخير للمؤمنين يتعب الكافرين فماذا عن أمر السيئة ؟ إن الحق يقول : { وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا } [ آل عمران : 120 ] إن الكافرين يفرحون لأي سوء يصيب المؤمنين مع أنه كان مقتضى الإنسانية أن ينقلب الحاسد راحماً : @ حسبك من حادث بامرئ ترى حاسديه له راحمينا @@ يعني حسبك من حادث ومصيبة تقع على إنسان أن الذي كان يحسده ينقلب راحماً له ويقول : والله أنا حزنت من أجله . إذن فلمّا تشتد إصابة المؤمنين أكانت تغير من موقف الكافرين ؟ لا ، كان أهل الكفر يفرحون في أهل الإيمان ، وإذا جاء خير أي خير للمؤمنين يحزنون فالحق يقول : { إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ } [ آل عمران : 120 ] والحسنة هي أي خير يمسهم مساً خفيفاً ، { وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً } [ آل عمران : 120 ] ، فأنت مهما كادوا لك فلن يصيبوك بأذى . إن المطلوب منك أن تصبر على عداوتهم ، وتصبر على شرّهم ، وتصبر على فرحهم في المصائب ، وتصبر على حزنهم من النعمة تصيبك أو تمسك ، اصبر فيكون عندك مناعة وكيدهم لن ينال منك اصبر واتق الله : لتضمن أن يكون الله في جانبك ، { وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً } [ آل عمران : 120 ] . وما الكيد ؟ الكيد هو أن تبيت وتحتال على إيقاع الضرر بالغير بحيث يبدو أنه كيدٌ من غيرك ، أي تدبر لغيرك لتضره . وأصل الكيد مأخوذ من الكيد والكبد ، وهما بمعنى واحد ، فما يصيب الكبد يؤلم لأن الكبد هو البضع القوي في الإنسان ، إذا أصابه شيء أعيى الإنسان وأعجزه ، ويقولون : فلان أصاب كبد الحقيقة أي توصل إلى نقطة القوة في الموضوع الذي يحكي عنه . وما معنى يبيتون ؟ قالوا : إن التبييت ليس دليل الشجاعة ، وساعة ترى واحداً يبيت ويمكر فاعرف أنه جبان لأن الشجاع لا يكيد ولا يمكر ، إنما يمكر ويكيد الضعيف الذي لا يقدر على المواجهة ، فإن تصبروا على مقتضيات عداواتهم وتتقوا الله لا يضركم كيدهم شيئاً لأن الله يكون معكم . ويذيل الحق الآية بالقول الكريم : { إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } [ آل عمران : 120 ] . وساعة ترى كلمة " محيط " فهذا يدلك على أنه عالم بكل شيء . والإحاطة : تعني ألا تشرد حاجة منه . وها هي ذي تجربة واقعية في تاريخ الإسلام يقول الحق فيها مؤكدا : { وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } [ آل عمران : 120 ] وعلى كل منا أن يذكر صدق هذه القضية .