Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 130-130)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والربا زيادة في المال ، فهل يؤكل ؟ نعم لأن كل المسائل المالية من أجل اللقمة التي تأكلها ، هذا هو الأصل . والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : " من أصبح منكم آمناً في سِرْبِهِ مُعَافىً في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا " . ونعرف أنه عندما يكون الواحد منا في منطقة ليس فيها رغيف خبز ، فلن تنفعه ملكية جبل من الذهب . { لاَ تَأْكُلُواْ ٱلرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً } [ آل عمران : 130 ] وقوله سبحانه : " أضعافاً " و " مضاعفة " هو كلام اقتصادي على أحدث نظام ، فالأضعاف هي : الشيء الزائد بحيث إذا قارنته بالأصل صار الأصل ضعيفاً ، فعندما يكون أصل المال مائة - على سبيل المثال - وسيؤخذ عليها عشرون بالمائة كفائدة فيصبح المجموع مائة وعشرين . إذن فالمائة والعشرون تجعل المائة ضعيفة ، هذا هو معنى أضعاف . فماذا عن معنى " مضاعفة " ؟ إننا سنجد أن المائة والعشرين ستصبح رأس مال جديداً ، وعندما تمر سنة ستأخذ فائدة على المائة وعلى العشرين أيضاً ، إذن فالأضعاف ضوعفت أيضاً ، وهذا ما يسمى بالربح المركب ، وهل معنى هذا أننا نأكله بغير أضعاف مضاعفة ؟ ! لا لأن الواقع في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان هكذا . وقد يقول لك واحد : أنا أفهم القرآن وأن المنهي هو الأضعاف المضاعفة ، فإذا لم تكن أضعافاً مضاعفة فهل يصح أن تأخذ ربحاً بسيطاً يتمثل في نسبة فائدة على أصل المال فقط ؟ ولكن مثل هذا القائل نرده إلى قول الله : { وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ } [ البقرة : 279 ] . إن هذا القول الحكيم يوضح أن التوبة تقتضي أن يعود الإنسان إلى حدود رأس ماله ولا يشوب ذلك ربح بسيط أو مركب . وعندما نجد كلمة " أضعافاً مضاعفة " فهي قد جاءت فقط لبيان الواقع الذي كان سائداً في أيامها . وبعد ذلك يقول الحق تذييلاً للآية : { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } ونقول دائماً ساعة نرى كلمة " اتقوا " يعني اجعلوا بينكم وبين الله وقاية ، وهل تكون الوقاية بينكم وبين الله بكل صفات جماله وجلاله ؟ لا ، فالوقاية تكون مما يتعب ومما يؤلم ويؤذي ، إذن فاتقوا الله يعني : اجعلوا بينكم وبين صفات جلاله من جبروت وقهر وانتقام وقاية ، وعندما يقول الحق : " واتقوا النار " فهي مثل قوله : " واتقوا الله " ، لأن النار جند من جنود صفات الجلال . وعندما يقول الحق : { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [ آل عمران : 130 ] نعرف أن كلمة " الفلاح " هذه تأتي لترغيب المؤمن في منهج الله ، وقد جاء الحق بها من الشيء المحس الذي نراه في كل وقت ، ونراه لأنه متعلق ببقاء حياتنا ، وهو الزرع ، والفلاحة ، أنت تحرث وتبذر وتروي ، وبعد ذلك تحصد . إذن فهو يريد أن يوضح لك أن المتاعب التي في الحرث ، والمتاعب التي في البذر ، والمتاعب التي في السقي كلها متى ترى نتيجتها ؟ أنت ترى النتيجة ساعة الحصاد ، فالفلاح يأخذ كيلتين من القمح من مخزنه كي يزرع ربع فدان ، ولا نقول له : أنت أنقصت المخزن لأنه أنقص المخزن للزيادة ، ولذلك فالذي لم ينقص من مخزنه ولم يزرع ، يأتي يوم الحصاد يضع يده على خده نادماً ولا ينفع الندم حينئذ ! إن الحق يريد أن يقول لنا : إن المنهج وإن أتعبك ، وإن أخذ من حركتك شيئاً كثيراً إلا أنه سيعود عليك بالخير حسب نيتك وإقبالك على العمل ، ولقد ضرب لنا الله المثل في قوله : { كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَٱللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [ البقرة : 261 ] . هذا أمر واضح ، حبة نأخذها منك فتنقص ما عندك ، لكنها تعطيك سبعمائة ، إذن فساعة تؤخذ منك الحبة لا تقل : إنك نقصت ، إنما قَدِّرْ أنك ستزيد قدر كذا . ويعطينا الله ذلك المثل في خلق من خلقه وهو الأرض . الأرض الصماء ، أنت تعطيها حبة فتعطيك سبعمائة . فإذا كان خلق من خلق الله وهو الأرض يعطيك أضعاف أضعاف ما أعطيت . أفلا يعطيك رَبّ هذه الأرض أضعافاً مضاعفة ؟ إنه قادر على أجزل العطاء ، هذا هو الفَلاحُ على حقيقته ، وبعد ذلك فإنه ساعة يتكلم عن الفلاح يقول لك : إنك لن تأخذ الفلاح فقط ولكنك تتقي النار أيضاً . فيقول الحق سبحانه : { وَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ … } .