Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 180-180)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لقد ظن بعض من المنافقين والكفار أن طول العمر ميزة لهم ، وها نحن أولاء بصدد قوم آخرين ظنوا أن المال الذي يجمعونه هو الخير فكلما زاد فرحوا . فيقول الحق : { وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } [ آل عمران : 180 ] . فالمال قد جاءهم من فضل الله ، ذلك بأنهم دخلوا الدنيا بغير جيوب . ولا أحد فينا قد رأى كفناً له جيوب . ولا أحد فينا قد رأى قماط طفل وليد له جيوب . فالإنسان يدخل الدنيا بلا جيب ، ويخرج بلا جيب . وكل ما يأتي للإنسان هو من فضل الله ، فلا أحد قد ابتكر الأشياء التي يأتي منها الرزق . ويمكن أن تبتكر من رزق موجود . فتطور في الوسائل والأسباب وللإنسان جزء من الحركة التي وهبها الله له ليضرب في الأرض ، ولكن لا أحد يأتي بأرض من عنده ليزرع فيها ، ولا أحد يأتي ببذور من عنده لم تكن موجودة من قبل ويزرعها ، ولا أحد يأتي بماء لم يوجد من قبل ليروي به ، فالأرض من الله ، والبذور عطاء من الله ، والماء من رزق الله ، وحتى الحركة التي يتحرك بها الإنسان هي من فضل الله . فبالله لو أراد إنسان أن يحمل الفأس ليضرب في الأرض ضربة ، فهل يعرف الإنسان كم عضلة من العضلات تتحرك ليرفع الفأس ؟ وكم عضلة تتحرك حين ينزل الفأس ؟ ! ! وعندما يضرب الإنسان الفأس . فهو يضربها في أرض الله . والذي أراد لنفسه فأساً فإنه يذهب إلى الحداد ليصنعها له ، لكن هل سأل الإنسان نفسه من أين أتى الحديد ؟ وفي هذه قال الحق : { وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ … } [ الحديد : 25 ] . إذن فماذا تُوجد أنت أيها الإنسان ؟ أنت تأخذ المواد الخام الأولية من عند الله ، وتبذل فيها الحركة الممنوحة لك من الله ، وأنت لا توجد شيئاً من معدوم بل إنك توجد من موجود ، فكل شيء من فضل الله . وأنت أيها الإنسان مضارب في كون الله . فعقلك الذي يفكر ، من الذي خلقه ؟ إنه الله . وجوارحك التي تنفعل للعقل من الذي خلقها ؟ إنه الله . وجوارحك تنفعل في منفعل هو الأرض ، بآلة هي الفأس ، ثم ترويها بماء هو نازل من السماء . فما الذي هو لك أيها الإنسان ؟ إن عليك أن تعرف أنه ليس لك شيء في كل ذلك ، إنما أنت مضارب لله . فلتعطه حق المضاربة . والحق سبحانه لا يطلب إلا قدراً بسيطاً من نتاج وثمرة الأرض … إن كانت تروى بماء السماء فعليك عشر نتاجها . وإن كانت الأرض تروى بآلة الطنبور أو الساقية فعليك نصف العشر . والذي يزرع أرضاً فإنه يحرثها في يوم ، ويرويها كل أسبوعين . أما الذي يتاجر في صفقات تجارية فهي تحتاج إلى عمل في كل لحظة ، لذلك فإن الحق قدّر الزكاة عليه بمقدار اثنين ونصف بالمائة . إذن فكلما زادت حركة الإنسان قلل الله قدر الزكاة . وهذه العملية على عكس البشر . فكلما زادت حركته . فإنهم يأخذون منه أكثر ! ! والله سبحانه يريد أن توجد الحركة في الكون لأنه إن وجدت الحركة في الكون انتفع الناس وإن لم يقصد التحرك . وبعد ذلك فأين يذهب الذي يأخذه الله منك ؟ . إنه يعطيه لأخ لك ولغيره . فما دام سبحانه يعطي أخاً لك وزميلاً لك من ثمرة ونتيجة حركتك ، ففي هذا اطمئنان وأمان لك ، لأن الغير سيعطيك لو صرت عاجزاً غير قادر على الكسب . وفي هذا طمأنينة لأغيار الله فيك . فإن جاءت لك الأغيار فستجد أناساً يساعدونك ، وبذلك يتكاتف المجتمع وهذا هو التأمين الاجتماعي في أرقى معانيه . أليس التأمين أن تعطي وأنت واجد وأن تأخذ وأنت فاقد ؟ . إذن فهذا كله من فضل الله . { وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ } [ آل عمران : 180 ] إن الذين يبخلون بفضل الله يظنون أن البخل خير لمجرد أنه يكدس عندهم الأموال ، وليس ذلك صحيحاً لأن الحق يقول : { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } [ آل عمران : 180 ] أي أن ما بخلوا به يصنعه الله طوقاً في رقبة البخيل ، وساعة يرى الناس الطوق في رقبة البخيل يقولون : هذا منع حق الله في ماله . والرسول صلى الله عليه وسلم يصور هذه المسألة تصويراً دقيقاً حين يبين لنا أن من يُطلب منه حق الله ولم يؤده ، يأتي المال الذي منعه وضن وبخل به يتمثل لصاحبه يوم القيامة " شجاعاً أقرع " وهو ثعبان ضخم ، ويطوق رقبته . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مُثِّلَ له شجاعاً أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة يأخذ بلهزمتيه - يعني شدقيه - يقول : " أنا مالُك أنا كنزك " ثم تلا قوله تعالى : { وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } إلى آخر الآية " . إذن فالذي يدخر بخلاً على الله فهو يزيد من الطوق الذي يلتف حول رقبته يوم القيامة . { وَللَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } [ آل عمران : 180 ] نعم فلله ميراث السماوات والأرض ، ثم يضعها فيمن يشاء ، فكل ما في الكون نسبته إلى الله ، ويوزعه الله كيفما شاء . إن الإيمان يدعونا ألاَّ ننتظر بالصدقة إلى حالة بلوغ الروح الحلقوم ، فقد روي عن أبي هريرة أنه قال : " جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول أي الصدقة أعظم أجراً ؟ قال : " أن تصدّق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت : لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان " لأنه عند وصول الروح الى الحلقوم لا يكون له مال . قول الحق : { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } [ آل عمران : 180 ] قضية تجعل القلب يرتجف خوفاً ورعباً ، فقد يدلس الإنسان على البشر ، فتجد من يتهرب من الضرائب ويصنع تزويراً دفترين للضرائب ، واحداً للكسب الصحيح وآخر للخسارة الخاطئة ويكون هذا المتهرب من الضرائب يملك المال ثم ينكر ذلك ، هذا الإنسان عليه أن يعرف أن الله خبير بكل ما يعمل . وبعد ذلك يقول الحق : { لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ … } .