Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 193-193)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فكأن الإنسان بقلبه وفكره قبل أن يجيء له الرسول يجب أن يتنبه إلى ما في الكون من آيات ، وعليه أن يستشرف أن وراء الكون قوة ، ولكن هذه القوة مبهمة في ذهنه . ما هي ؟ إنه يرى الكون العجيب فيقول لنفسه : من المستحيل أن يكون هذا الكون بلا خالق . إن وراءه قوة لها حكمة ولها قدرة . هذا قصارى ما يصل إليه العقل ولكن أيستطيع العقل أن يدرك أن القوة اسمها الله ؟ أيستطيع العقل أن يدرك ماذا تطلب القوة منه ؟ لا ، إذن لابد من رسول يبلغ عن تلك القوة . ولذلك قلنا : إن تلك هي الزلة التي وقع فيها الفلاسفة لأن الفلاسفة هم الذين بحثوا وراء المادة . ونحن نعلم أن العلم ينقسم إلى قسمين ، قسم مادي قائم على التجربة ، وقسم ميتافيزيقى يبحث فيما وراء المادة . وهذا العلم متاهة الفلاسفة ، وهو المضلة التي لم تلتق فيها مدرسة بمدرسة ، ولا تلميذ في مدرسة مع تلميذ آخر في مدرسة . لماذا لم يلتقوا ؟ لأنهم يبحثون وراء المادة . وما وراء المادة غيب . والغيب لا يدخل المعمل . لكن المادة تدخل المعمل . والمعمل عندما يعطي نتائج تحليلات لا يجامل في هذه النتائج . فالذي يدخل التجربة العلمية في المعمل بنزاهة فالمعمل يعطيه . والذي يدخل بغير نزاهة لا تعطيه المعامل شيئاً . ولذلك نقول دائماً : إننا لا نجد في العلوم المادية فارقاً بين علم شيوعي روسي ، وعلم أمريكي رأسمالي ، فلا توجد كيمياء رأسمالية أو كيمياء شيوعية ولا توجد كهرباء روسية وأخرى أمريكية . إنها كيمياء واحدة ، وكهرباء واحدة لأنها ابنة المعمل وبنت التجربة المادية . ومن العجيب الذي لا يفطن له الخلق المغرورون من هؤلاء أننا نجد العلم المادي ابن التجربة والمعمل والمادة الصماء التي لا تجامل يحاول كل معسكر أن يسرقه من غيره ، ونجد الجواسيس يسافرون من معسكر إلى معسكر ليسرقوا تصميمات الطائرات والصواريخ . وأن بعضهم يتلصص على بعض حتى يعرفوا العلم المادي . لكن ماذا عن علم الأهواء والنظريات ؟ إننا نجد أن كل طرف يقيم جداراً حتى لا يخترق علم الأهواء المجتمع . هم يقيمون الحواجز في الأهواء ولكن في العلم المادي يتحولون إلى لصوص . فلماذا لا يأخذون الأهواء مع العلم المادي ؟ إن كل معسكر حريص على العداء مع مذاهب الغير في الحكم والاجتماع والاقتصاد . لكنهم في العلم المادي يسرق بعضهم بعضاً لأن المذاهب النظرية تتبع الأهواء ، لكن العلم المادي - كما قلنا - يتبع الحقيقة المعملية التي لا تجامل . إذن فساعة يفكر الإنسان بعقله لابد أن يقول : إن وراء خلق الكون قوة خارقة . وقد عرفها العربي بفطرته فقال : البعرة تدل على البعير والقدم تدل على المسير ، أفلا يدل كل ذلك على اللطيف الخبير ؟ ! ! إنه دليل فطري ، يدلك على وجود القوة ، لكن ما اسم هذه القوة ؟ لا نعرف . إذن فالأذن تستشرف إلى مَنْ يدلها على اسم هذه القوة . فإذا جاء واحد وقال : أنا مُرْسَلٌ من ناحية هذه القوة ، وأنَّ اسمها الله ، كان من المفروض أن تتهافت الناس عليه لأنه سيحل لها اللغز الذي يشغلهم ، لذلك فالمؤمنون يقولون : { رَّبَّنَآ إِنَّنَآ سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا … } [ آل عمران : 193 ] . كأن ذهن كل واحد فيهم كان مشغولاً بضرورة التعرف على الخالق . وبعد ذلك يقولون : { رَبَّنَآ إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ ٱلنَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ } [ آل عمران : 192 ] . فأول حاجة فكروا فيها هي درء المفسدة لأن أفاضل الناس يتهمون أنفسهم بالتقصير دائماً لذلك قالوا : { رَبَّنَا فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا … } [ آل عمران : 193 ] . وعندما ننظر إلى معطيات القرآن نجد أن " الذنب " شيء ، و " السيئة " شيء آخر . فالذنب يحتاج إلى غفران ، والسيئة تحتاج إلى تكفير ، على سبيل المثال " كفارة اليمين " تكون واجبة إذا ما أقسم المؤمن يميناً وحنث فيه ، وهذا التكفير هو المقابل للحنث في اليمين ، أما الأشياء التي تتعلق بالمعصية بين العبد وربه فهي الذنب ، والسيئة هي الأمر الذي يخالف منهج الله مع عباد الله . فحين تفعل المعصية في أمر بينك وبين الله فأنت لم تسيء إلى الله ، فمَنْ أنت أيها الإنسان من منزلة الله ؟ لكنك بالمعصية تذنب ، والذنب تأتي بعده العقوبة . أما مخالفة منهج الله مع عباد الله فهي سيئة لأنك بها تكون قد أسأت . لذلك فالمؤمنون قالوا : { رَبَّنَا فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا … } [ آل عمران : 193 ] . ومن الذي هداهم إلى معرفة أن هناك فرقاً بين الذنب والسيئة ؟ وأن الذنب يحتاج إلى غفران ، وأن السيئة تحتاج إلى تكفير ؟ إنه الرسول صلى الله عليه وسلم حامل الرسالة من الله . هو الذي علمنا الفرق بين الذنب والسيئة . فقد كان جالساً بين أصحابه فأخذته سِنَةٌ من النوم ، ثم استيقظ فضحك . فعن أنس رضي الله عنه قال : " بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس إذْ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه فقال عمر رضي الله عنه : ما أضحكك يا رسول الله ؟ قال : رجلان جثيا من أمتي بين يدي رب العزة فقال أحدهما : يا رب خذ لي مظلمتي من أخي . قال الله : أعط أخاك مظلمته . قال يا رب : لم يبق من حسناتي شيء ، قال : يا رب يحمل عني من أوزاري . وفاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبكاء ثم قال : إن ذلك ليوم عظيم ، يوم يحتاج الناس إلى أن يُتَحَمَّل عنهم من أوزارهم . فقال الله للطالب : ارفع بصرك فانظر في الجنان فرفع رأسه فقال : يا رب أرى مدائن من فضة وقصوراً من ذهب مكللةً باللؤلؤ لأي نبي هذا ؟ لأي صِدّيقٍ هذا ؟ لأي شهيدٍ هذا ؟ قال : هذا لمَنْ أعطى الثمن . قال : يا رب ومَنْ يملك ثمنه ؟ قال : أنت . قال : بماذا ؟ قال : بعفوك عن أخيك . قال : يا رب قد عفوت عنه ، قال : خذ بيد أخيك فأدخله الجنة . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم فإن الله يُصلح بين المؤمنين يوم القيامة " . هذا هو معنى التكفير أي أن نتحمل لذلك نقول في الدعاء كما عُلِّمْنَا : " اللهم ما كان لك منها فاغفره لي ، وما كان لعبادك فتحمله عني " . أي أن العبد يطلب أن يراضي الحق عباده من عنده ، وما عنده لا ينفد أبداً . والعباد المؤمنون يقولون : { رَبَّنَا فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ ٱلأَبْرَارِ } [ آل عمران : 193 ] . أي اختم لنا سبحانك هذا الختام مع الأبرار . ومن بعد ذلك يأتي قوله تعالى حكاية عنهم : { رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا … } .