Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 196-196)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وإذا ما سمعنا كلمة { تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ } [ آل عمران : 196 ] فاعلم أن التقلب يحتاج إلى قدرة على الحركة . والقدرة على الحركة تكون في مكان الإنسان وبلاده ، فإذا اتسعت قدرتك على الحركة وانتقلت إلى بلد آخر ، فعندئذ يقال عن هذا الإنسان : " فلان نشاطه واسع " أي أن البيئة التي تحيا فيها ليست على قدر قدرته ، بل إن قدرته أكبر من بيئته ، لذلك فإنه يخرج من بلده . وكان ذلك يحدث ، فكفار قريش كانوا يرحلون من بلدهم في رحلات خارجها . لذلك قال الحق : { لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ } [ آل عمران : 196 ] . والتقلب كما عرفنا ينشأ عن : قدرة وحركة واتساع طموح . وسبحانه يريد أن يبين لنا أن زخارف الحياة قد تأتي لغير المؤمنين . إن كل زخرف هو متاع الحياة الدنيا وهو مرتبط بعمر الإنسان في الوجود . ومهما أخذوا فقد أخذوا زينة الحياة وغرورها فسبحانه هو القائل : { وَما ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ ٱلْغُرُورِ } [ آل عمران : 185 ] . إنها حياة لها نهاية . أما الذي يريد أن يُصَعِّدَ النعمة ويصعد النفع فهو يفعل العمل من أجل حياة لا تنتهي . والكافرون قد يأخذون العاجلة المنتهية ، ولكن المؤمنين يأخذون الآجلة التي لا تنتهي . وحين نقارن بين طالب الدنيا وطالب الآخرة ، نرى أن الصفقة تستحق أن نناقشها من نواحيها وهي كما يلي : لا تقس عمر الدنيا بالنسبة لذاتها ، ولكن قس عمرها بالنسبة لعمر الفرد في الحياة لأن عمر الدنيا عند كل فرد هو مدة بقائه فيها ، فهب أن الدنيا دامت لغيري ، فما لي ولها ، إن عمر الدنيا قصير بالنسبة لبقاء الإنسان فيها ، وإياك أن تقارنها بقولك : إن الدنيا سوف تبقى لملايين السنين لأنها ستظل ملايين السنين لملايين الخلق غيرك ، وعمر الدنيا بالنسبة لك هو عمرك فيها ، وعمرك فيها محدود ، وهذا على فرض أن الإنسان سيعيش متوسط الأعمار . فما بالك وعمرك فيها مظنون لأن الموت يأتي بلا سن ولا يرتبط بسبب أو بزمان . ولذلك فالإنسان لا يضمن متوسط الأعمار . وعمر الآخرة متيقن وهو إلى خلود . إذن فعمر الإنسان في الدنيا مظنون وعمره في الآخرة متيقن ، والدنيا محدودة ، وفي الآخرة خلود ، ونعيمك في الدنيا منوط بقدرتك على تصور النعمة وإمكاناتها . ولكن نعيمك في الآخرة على قدر عظمة رَبّك وعطائه العميم لذلك قال الحق عنها : إنها متاع الغرور . ولم يأت الله لها باسم أقل من اسم الدنيا ، فهل هناك اسم أقل وأحقر من هذا ؟ إن الذين يغترون بما يناله الخارجون عن منهج الله من تقلبهم في البلاد عليهم أن يتذكروا أن كل ذلك إلى زوال وضياع . وعلينا أن نقارن التقلب في البلاد بما أعده الله لنا في الآخرة . وساعة تقارن هذه المقارنة تكون المقارنة سليمة … ولذلك يتابع الحق قوله عن تقلب الذين كفروا في البلاد : { مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ … } .