Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 31-31)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولنا أن نعرف أن كل " قل " إنما جاءت في القرآن كدليل على أن ما سيأتي من بعدها هو بلاغ من الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه ، بلاغ للأمر وللمأمور به ، إن البعض ممن في قلوبهم زيغ يقولون : كان من الممكن أن يقول الرسول : { إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ } [ آل عمران : 31 ] لهؤلاء نقول : لو فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك لكان قد أدى " المأمور به " ولم يؤد الأمر بتمامه . لماذا ؟ لأن الأمر في " قل " … والمأمور به { إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ } [ آل عمران : 31 ] وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم في كل بلاغ عن الله بدأ بـ " قل " إنما يبلغ " الأمر " ويبلغ " المأمور به " مما يدل على أنه مبلغ عن الله في كل ما بلغه من الله . إن الذين يقولون : يجب أن تحذف " قل " من القرآن ، وبدلاً من أن نقول : { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } [ الإخلاص : 1 ] فلننطقها : " الله أحد " . لهؤلاء نقول : إنكم تريدون أن يكون الرسول قد أدى " المأمور به " ولم يؤد " الأمر " . إن الحق يقول : { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ } [ آل عمران : 31 ] هذه الآية تدل على ماذا ؟ إنهم لا بد قد ادعوا أنهم يحبون الله ، ولكنهم لم يتبعوا الله فيما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكأنهم جعلوا الحب لله شيئاً ، واتباع التكليف شيئاً آخر ، والله سبحانه وتعالى له على خلقه إيجاد ، وإمداد ، وتلك نعمة ، ولله على خلقه فضل التكليف لأن التكليف إن عاد على المُكَلَّف " بفتح اللام وتشديدها " ولم يعد منه شيء على المُكَلِّف " بكسر اللام وتشديدها " فهذه نعمة من المكلِّف . إن الحق سبحانه لا يحتاج إلى أحد ولا من أحد . إن الحق سبحانه عندما كلفنا إنما يريد لنا أن نتبع قانون صيانة حياة الإنسان . وقد ضربنا المثل - ولله المثل الأعلى ، بالآلة المصنوعة بأيدي البشر ، إن المهندس الذي صممها يضع لها قانون صيانة ما ، ويضع قائمة تعليمات عن كيفية استعمالها وهي تتلخص في " افعل كذا " و " لا تفعل كذا " ، ويختار لهذه الآلة مكاناً محدداً ، وأسلوباً منظماً للاستخدام . إذن فوضع قائمة بالقوانين الخاصة بصيانه واستعمال آلة ما وطبعها في كراسة صغيرة ، هي لفائدة المنتفع بالصنعة . هذا في مجال الصنعة البشرية ، فما بالنا بصنعة الله عز وجل ؟ إن لله إيجاداً للإنسان ، ولله إمداداً للإنسان ، ولله تكليفاً للإنسان ، والحق قد جعل التكليف في خدمة الإيجاد والإمداد . إن الحق لو لم يعطنا نظام حركة الحياة في " افعل " و " لا تفعل " لفسد علينا الإيجاد والإمداد ، إن من تمام نعمة الحق على الخلق أن أوجد التكليف ، وإن كان العبد قد عرف قدر الله فأحبه للإيجاد والإمداد فليعرف العبد فضل ربه عليه أيضاً من ناحية قبول التكليف ، وأن يحب العبد ربه لأنه كلفة بالتكاليف الإيمانية . إنك قد تحب الله ، ولكن عليك أن تلاحظ الفرق بين أن تحب أنت الله ، وأن يحبك الله . إن التكليف قد يبدو شاقاً عليك فتهمل التكليف لذلك نقول لك : لا يكفي أن تحب الله لنعمة إيجاده وإمداده لأنك بذلك تكون أهملت نعمة تكليفه التي تعود عليك بالخير ، إن نعمة التكليف تعود عليك بكل الخير عندما تؤديها أيها الإنسان ، فلا تهملها ، ومن الجائز أن تجد عباداً يحبون الله لأنه أوجدهم وأمدهم بكل أسباب الحياة ، ولكن حب الله لعبده يتوقف على أن يعرف العبد نعمته - سبحانه - في التكليف ، إن الله يحب العبد الذي يعرف قيمة النعمة في التكليف . ونحن في مجالنا البشري نرى إنساناً يحب إنساناً آخر ، لكن هذا الآخر لا يبادله العاطفة ، والمتنبي قال : @ أنت الحبيب ولكني أعوذ به من أن أكون حبيباً غير محبوب @@ إن المتنبي يستعيذ أن يحب واحداً لا يبادله الحب . فكأن الذين يدعون أنهم يحبون الله ، لأنهم عبيد إحسانه إيجاداً وإمداداً ، ثم بعد ذلك يستنكفون ، أو لا يقدرون على حمل نفوسهم على أداء التكليف لهؤلاء نقول : أنتم قد منعتم شطر الحب لله ، لأن الله لن يكلفكم لصالحه ولكنه كلفكم لصالحكم لأن التكليف لا يقل عن الإيجاد والإمداد . لماذا ؟ لأن التكليف فيه صلاح الإيجاد والإمداد ، والحب - كما نعرف - هو ودادة القلب وعندما تقيس ودادة القلب بالنسبة لله ، فإننا نرى آثارها ، وعملها ، من عفو ورحمة ورضا . وعندما تقيس ودادة القلب من العبد إلى الله فإنها تكون في الطاعة . إن الحب الذي هو ودادة القلب يقدر عليه كل إنسان ، ولكن الحق يطلب من ودادة القلب ودادة القالب ، وعلى الإنسان أن يبحث عن تكاليف الله ليقوم بها ، طاعة منه وحباً لله ، ليتلقى محبة الله له بآثارها ، من عفو ، ورحمة ، ورضا . والحب المطلوب شرعاً يختلف عن الحب بمفهومه الضيق ، أقول ذلك لنعلم جميعاً ، أنه الحق سبحانه قائم بالقسط ، فلا يكلف شططاً ولا يكلف فوق الوسع أو فوق الطاقة . إن الحب المراد لله في التكليف هو الحب العقلي ، ولا بد أن نفرق بين الحب العقلي والحب العاطفي ، العاطفي لا يقنن له . لا أقول لك : " عليك أن تحب فلاناً حباً عاطفياً " لأن ذلك الحب العاطفي لا قانون له . إن الإنسان يحب ابنه حتى ولو كان قليل الذكاء أو صاحب عاهة ، يحبه بعاطفته ، ويكره قليل الذكاء بعقله . والإنسان حينما يرى ابن جاره أو حتى ابن عدوه ، وهو متفوق ، فإنه يحب ابن الجار أو ابن العدو بعقله ، لكنه لا يحب ابن الجار أو العدو بعاطفته ، ودليل ذلك أن الإنسان عندما توجد لديه أشياء جميلة فإنه يعطيها لابنه لا لابن الجيران ، هناك - إذن - فرق بن حب العقل ، وحب العاطفة . والتكليف دائماً يقع في إطار المقدور عليه وهو حب العقل ، ومع حب العقل قد يسأل الإنسان نفسه : ماذا تكون حياتي وكيف … لو لم أعتنق هذا الدين ؟ وماذا تكون الدنيا وكيف ، لولا رحمة الله بنا عندما أكرمنا بهذا الدين ؟ وأرسل لنا هذا الرسول الكريم ؟ إن هذا حديث العقل وحب العقل . وقد يتسامى الحب فيصير بالعاطفة أيضاً ، لكن المكلف به هو حب العقل ، وليس الحب العاطفي ، ولذلك يجب أن نفطن إلى ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه - حينما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين " . وقف سيدنا عمر عند هذه النقطة فقال : أمعقول أن يكون الحب لك أكثر من النفس ؟ إنني أحبك أكثر من مالي ، أو من ولدي ، إنما من نفسي ؟ ففي النفس منها شيء . وهكذا نرى صدق الأداء الإيماني من عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكررها النبي صلى الله عليه وسلم ثانياً ، وثالثاً ، فعرف سيدنا عمر أنه قد أصبحت تكليفاً وعرف أنها لا بد أن تكون من الحب المقدور عليه ، وهو حب العقل ، وليس حب العاطفة . وهنا قال عمر : " الآن يا رسول الله ؟ " فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : الآن يا عمر ، أي كمل إيمانك الآن ، أي أن سيدنا عمر قد فهم المراد بهذا الحب وهو الحب العقلي . ونريد هنا أن نضرب مثلاً حتى لا تقف هذه المسألة عقبة في القلوب أو العقول - نقول - ولله المثل الأعلى : إن الإنسان ينظر إلى الدواء المر طعماً ويسأل نفسه هل أحبه أو لا ؟ إن الإنسان يحب هذا الدواء بعقله ، لا بعاطفته . إذن فحب العقل هو ودادة من تعلم أنه صالح لك ونافع لديك وإن كانت نفسك تعافه ، وعندما تتضح لك حدود نفع بالشيء فأنت تحبه بعاطفتك إذاً فالمطلوب للتكليف الإيماني " الحب العقلي " ، وبعد ذلك يتسامى ليكون " حباً عاطفياً " وهكذا يكون قول الحق : { إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ } وهذا الحب ليس دعوى . إن الإنسان منا عندما يدعى أنه يحب إنساناً آخر ، فكل ما يتصل به يكون محبوباً ، ألم يقل الشاعر : " وكل ما يفعل المحبوب محبوب " ؟ فإن كنتم تحبون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاتبعوه بتنفيذ التكاليف الإيمانية ، ولنلتفت إلى الفرق بين " اتبعني " و " استمع لي " . إن الاتباع لا يكون إلا في السلوك ، فإن كانت تحب رسول الله فعليك أن ترى ماذا كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن تفعل مثله ، أما إذا كنت تدعي هذا الحب ، ولا تفعل مثلما فعل رسول الله صلى فهذا عدم صدق في الحب ، إن دليل صدقكم في الحب المدعى منكم أن تتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن اتبعنا رسول الله نكون قد أخذنا التكليف من الله على أنه نعمة ، ونقبلها من الله مع ما فيها من مشقة علينا ، فيحبنا الله لأننا آثرنا تكليفه على المشقة في التكليف . إن فهم هذه الآية يقتضي أن نعرف أن الحق ينبهنا فكأنه يقول لنا : أنتم أحببتم الله للإيجاد والإمداد ، وبعد ذلك وقفتم في التكليف لأنه ثقيل عليكم ، وهنا نقول : " انظروا إلى التكليف أهو لصالح من كلف أم هو لصالح من تلقى التكليف ؟ " . إنه لصالح المكلَّف أي الذي تلقى التكاليف . وهكذا يجب أن نضم التكليف للنعم ، فتصبح النعم هي " نعم الإيجاد " ، و " الإمداد " ، و " التكليف " ، فإن أحببت الله للإيجاد والإمداد ، فهذا يقتضي أن تحبه أيضاً للتكليف ، ودليل صدق الحب هو قيام العبد بالتكليف ، وما دمت أنت قد عبرت عن صدق عواطفك بحبك لله ، فلا بد أن يحبك الله ، وكل منا يعرف أن حبه لله لا يقدم ولا يؤخر ، لكن حب الله لك يقدم ويؤخر . إن قول الحق سبحانه وتعالى فيما يعلّمه لرسول الله ليقول لهم : { فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ } [ آل عمران : 31 ] أي أن الرسول صلى الله عليه وسلم المرسل من عند الله جاء بكل ما أنزله الله ولم يكتم شيئاً مما أُمِرَ بتبليغه ، فلا يستقيم أن يضع أحد تفريقاً بين رسول الله وبين الله ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم مبلغ عن الله كل ما أنزل عليه . وبعد ذلك يقول الحق : { وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } [ آل عمران : 31 ] إن مسألة " ويغفر لكم " هذه تتضمن ما تسميه القوانين البشرية بالأثر الرجعي ، فمن لم يكن في باله هذا الأمر وهو حب الله ، واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ، فعليه أن يعرف أن عليه مسئولية أن يبدأ في هذه المسألة فوراً ويتبع الرسول لله وينفذ التكليف الإيماني ، وسيغفر له الله ما قد سبق ، وأي ذنوب يغفرها الله هنا ؟ إنها الذنوب التي فر منها بعض العباد عن اتباع الرسول ، فجاء الرسول صلى الله عليه وسلم بالحكم فيها . وهكذا نعرف ونتيقن أن عدالة الله أنه سبحانه لن يعاقب أحداً على ذنب سابق ما دام قد قبل العبد أن ينفذ التكليف الإيماني ، إن الذين أبلغهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجب عليهم أن يفطنوا بعقولهم إلى ما أعلنه الرسول لهم ، إن هذا الأمر لا يكون حجة إلا بعد أن صار بلاغاً ، وقد جاء البلاغ ، ولذلك يغفر الله الذنوب السابقة على البلاغ ، وبعد ذلك يقول الحق : { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ آل عمران : 31 ] إننا نعلم أن المغفرة من الله والرحمة منه أيضاً ، وبعد ذلك يقول الحق : { قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ … } .