Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 47-47)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ونريد أن نقف وقفة ذهنية تدبرية عند قولها : { قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ } [ آل عمران : 47 ] فلو أنها سكتت عند قولها : { أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ } [ آل عمران : 47 ] لكان أمراً معقولاً في تساؤلها ، ولكن إضافتها { وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ } [ آل عمران : 47 ] تثير سؤالاً ، من أين أتت بهذا القول { وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ } [ آل عمران : 47 ] ؟ هل قال لها أحد : إنك ستلدين ولداً من غير أب ؟ إن الملائكة لم تخبرها بذلك ، لذلك انصرف ذهنها إلى مسألة المس . إنها فطرة وفطنة المهيأة والمعدة للتلقي عن الله ، عندما قال لها : " المسيح عيسى ابن مريم " . قالت لنفسها : إن نسبته بأمر الله هي لي ، فلا أب له ، لقد قال الحق : إنه " ابن مريم " ولذلك جاء قولها : { وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ } [ آل عمران : 47 ] ذلك أنه لا يمكن أن ينسب الطفل للأم مع وجود الأب . هكذا نرى فطنة التلقي عن الله في مريم البتول . لقد مر بها خوف عندما عرفت أن عيسى منسوب إليها وقالت لنفسها ، إن الحمل بعيسى لن يكون بوساطة أب ، وكيف يكون الحمل دون أن يمسسني بشر . وقال الخالق الأكرم : " كذلك " أي لن يمسك بشر ، ولم يقل لها : لقد نسبناه لك لأنك منذورة لخدمة البيت ، ولكن الحق قال : " كذلك " تأكيداً لما فهمته عن إنجاب عيسى دون أن يمسسها بشر . وتتجلى طلاقة القدرة في قوله سبحانه : { ٱللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ } [ آل عمران : 47 ] . إنها طلاقة القدرة ، وطلاقة القدرة في الإنسال أو الإنجاب أو في عدم التكثير بالنسبة للإنسان وطلاقة القدرة لا تتوقف على إيجاد ذكورة وأنوثة ، ولو كانت طلاقة القدرة متوقفة على إيجاد ذكورة وأنوثة فكيف خلق آدم أول الخلق ؟ إن طلاقة القدرة في الخلق لا تتوقف على إيجاد ذكورة وأنوثة ، إنه الحق الأعلى القادر على أن يخلق دون ذكورة أو أنوثة ، كخلقه لآدم عليه السلام ، ويخلق الحق سبحانه بواحد منهما ، كخلقه سبحانه لحواء وخلق عيسى عليه السلام ، ويخلق الخالق الأعلى بالذكورة والأنوثة ، وهذه تتضح في خلق جمهرة الناس ، ولا تظنوا أن باجتماع الذكورة والأنوثة يمكن أن يُحقق الخلق ، فقد توجد الذكورة والأنوثة ولا يوجد إنجاب ، ها هو ذا القول الحق : { لِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ } [ الشورى : 49 - 50 ] . هذه هي إرادة الحق ، إذن فلا تقل : إن اكتمال عنصري الذكورة والأنوثة هو الذي يحدث الخلق ، لأن الخلق يحدث بإرادة الحق { كَذَلِكَ ٱللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ إِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [ آل عمران : 47 ] . فأنتم أيها المحدثون تفعلون بالأسباب . لكن الذي خلقكم وخلق الأسباب لكم هو الذي بيده أن يوجد بلا أسباب ، لأنه أنشأ العالم أول ما أنشأ بدون أسباب . ويقول الحق سبحانه عن عيسى عليه السلام : { وَيُعَلِّمُهُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ … } .