Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 72-72)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لقد أراد بعض من أهل الكتاب أن يشككوا المسلمين في أمر المنهج ، لذلك اصطنعوا تلك الحيلة ، فالمؤمنون من العرب وقريش في ذلك الزمن كانوا أميين وكانوا يعرفون أن أهل الكتاب على علم بمناهج السماء ، ولم يكن القرآن كله قد نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم . فإذا ما آمن بعض منهم برسالة رسول الله وجه النهار وكفروا به آخر النهار فهذا خلط للحق بالباطل . وفي هذا خداع للمؤمنين . ولنا أن نعرف أن { وَجْهَ ٱلنَّهَارِ } [ آل عمران : 72 ] مقصود به ساعات الصباح والظهر ، فالوجه هو أول ما يواجه في أي أمر ، ونحن نأخذ ذلك في أمثلة حياتنا اليومية ، فنقول عن بائع الفاكهة : " لقد صنع وجها للفاكهة " ، أي أنه قد وضع أنضج الثمار في واجهة العربة ، وأخفى خلف الثمار الصالحة الناضجة ثماراً أخرى فاسدة . وعندما يفعل التاجر مثل هذا الفعل فمقصده الغش والخداع ، لأن الإنسان إذا ما اشترى أي مقدار من هذه الفاكهة فسيجد ربع ما اشترى هو من واجهة الفاكهة ، والباقي من الثمار الفاسدة . وكذلك حاول بعض من أهل الكتاب أن يخدعوا المؤمنين بإعلان الإيمان أول النهار ثم إعلان الكفر آخر النهار ، والهدف بطبيعة الحال هو إشاعة الشك وزراعة البلبلة في نفوس المؤمنين بخصوص هذا الدين ، فقد يقول بعض من الأميين : " لقد اختبر أهل الكتاب هذا الدين الجديد وهم أهل علم بمناهج السماء ولم يجدوه مطابقاً لمناهج السماء " . أو أن الآية قد نزلت في مسألة تحويل القبلة إلى الكعبة ، فإذا كان الحق سبحانه قد أمر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحول القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة ، فالكافرون من أهل الكتاب أرادوا نقض ذلك ، وقالوا : " فلنسمع أول النهار كلام محمد ونتوجه في الصلاة إلى الكعبة ثم نصلي آخر النهار ونجعل قبلتنا بيت المقدس " . وكأن الحق قد أراد بذلك أن يكشف لنا أن كل أساليب الكفر هي من تمام قلة الفطنة وعدم القدرة على حسن التدبر ، لقد أرادوا إشعال الحرب النفسية ضد المسلمين ، لعل بعضاً من المسلمين يتشككون في أمر الدين الجديد ، لكنهم دون أن يلحظوا أنهم قد فضحوا أنفسهم ، واعترفوا دون قصد منهم بأن الذين آمنوا بالقرآن هم المؤمنون حقاً بينما هم قد أخذوا لأنفسهم موقف الكفر الذي هو نقيض للإيمان ، قال سبحانه حكاية عنهم : { آمِنُواْ بِٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ ٱلنَّهَارِ وَٱكْفُرُوۤاْ آخِرَهُ } [ آل عمران : 72 ] فهم قد ارتضوا لأنفسهم الكفر . لقد أعلن هؤلاء المشككون التصديق بالإسلام وذلك ليعرف الناس عنهم ذلك ، ولكنهم أهل كتاب فهم قادرون على الحكم عليه ، فإذا ما رجعوا عن الإسلام من بعد معرفته ، فسيقولون : إن رجوعنا ليس بسبب الجهل أو التعصب ، إنما بسبب اختبارنا لهذا الدين ، فلم نجده مناسباً ولا متوافقاً مع ما نزل على رسولنا . وهذا من أساليب الحرب النفسية . والحق سبحانه وتعالى يكشف ذلك المكر والخداع للذين حاولوا أن يكتموا خداعهم ولعبتهم الماكرة ، والتي أرادوا بها التشكيك والخداع . فَيُنزل على رسوله هذا القول الحق : { وَلاَ تُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ ٱلْهُدَىٰ هُدَى ٱللَّهِ … } .