Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 76-76)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

إن قول الحق في بداية هذه الآية " بلى " إنما جاء لينقض القضية السابقة التي ادعاها أهل الكتاب ، وكأن الحق يقول : أيْ عليكم في الأميين سبيل لأن المشرع هو الله ، والناس بالنسبة له سبحانه سواء . وبعد ذلك يأتي قول الحق بقضية عامة : { بَلَىٰ مَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ } [ آل عمران : 76 ] . ما العهد هنا ؟ وأي عهد ؟ إنه العهد الإيماني الذي ارتضيناه لأنفسنا بأننا آمنا بالله وساعة تؤمن بالإله فمعنى إيمانك به هو حيثية قبولك لكل حكم يصدر منه سبحانه ، وأن تلتزم بما يطلبه منك . وإن لم تلتزم بما يطلبه منك كان إيمانك بلا قيمة لأن فائدة الإيمان هو الالتزام . ولذلك قلنا : إن الحق سبحانه وتعالى حينما يريد تشريع حكم لمن آمن به ينادي أولاً يأيها الذين آمنوا كتب عليكم كذا ، إن الحق سبحانه لا ينادي في التكليف كل الناس ، إنما ينادي من آمن وكأن سبحانه يقول : " يا من آمن بي إلها ، اسمع مني الحكم الذي أريده منك . أنا لا أطلب ممن لم يؤمن بي حكماً ، إنما أطلب ممن آمن " . وهنا يقول الحق : { مَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ } [ آل عمران : 76 ] وقد يفهم البعض هذا القول بأن من أوفى بعهده الإيماني واتقى الله في أن يجعل كل حركاته مطابقة لـ " افعل ولا تفعل " فإن الله يحبه . هذا هو المعنى الذي قد يُفهم للوهلة الأولى ، لكن الله لم يقل ذلك ، إن " الحب " لا يرجع إلى الذات بل يرجع إلى العمل ، لقد قال الحق : { فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ } [ آل عمران : 76 ] . إن الإنسان قد يخطئ ويقول : " لقد أحبني الله ، وسأفعل من بعد ذلك ما يحلو لي " ونحن نذكر صاحب هذا القول بأن الله يحب العمل الصالح الذي يؤديه العبد بنية خالصة لله وليس للذات أي قيمة ، لذلك قال : { مَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ } [ آل عمران : 76 ] . إن الذي أوفى بعهده واتقى سيحب الله فيه التقوى ، وإياك أن تفهم أن الحب من الله للعبد سيصبح حباً ذاتياً ، لكنه حب لوجود الوصف فيه ، فاحرص على أن يكون الوصف لك دائماً ، لتظل في محبوبية الله . ولذلك نقول : إن الحق سبحانه وتعالى أوضح لنا أن الذات تتناسل من ذات ، والذوات عند الله متناسلة من أصل واحد . فالجنس ليس له قيمة ، إنما القيمة للعمل الصالح . وقد ضربنا المثل قديماً ، وقلنا : إن الحق سبحانه وتعالى حينما وعد نوحاً عليه السلام بأن ينجيه من الغرق هو وأهله ، ثم فوجئ نوح بأن ابنه من المغرقين ، قال سبحانه حكاية عما حدث : { قَالَ سَآوِيۤ إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ ٱلْمَآءِ قَالَ لاَ عَاصِمَ ٱلْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا ٱلْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُغْرَقِينَ } [ هود : 43 ] . ماذا فعل نوح عليه السلام ؟ لقد نادى ربه طالباً نجاة ابنه : { وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ٱبْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ ٱلْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ ٱلْحَاكِمِينَ } [ هود : 45 ] . ويعلمنا الله من خلال رده على نوح ، أن أهل الأنبياء ليسوا من جاءوا من نسلهم ، إنما أهل الأنبياء هم من جاءوا على منهجهم ، لذلك قال الحق لنوح عن ابنه : { إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ … } [ هود : 46 ] . لماذا يكون ابن نوح ليس من أهل نوح ؟ ذلك لأن أهل النبوة هم الذين يتبعون منهج النبوة ، ولذلك لم يقل الحق لنوح عن ابنه : " إنه عامل غير صالح " لكن الحق سبحانه قال عن ابن نوح : " إنه عمل صالح " … لقد نسب الحق الأمر إلى العمل . إذن فالحكمة هي أن الله سبحانه وتعالى في أسلوبه القرآني يوضح لنا أن الله لا يحب شخصاً لذاته ، إنما لعمله وصفاته فلم يقل : " من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحبه " ، لأن " الهاء " هنا ترجع إلى الذات ، إن في ذلك إيضاحاً كامل البيان بأن الله يحب عمل العبد لا ذات العبد ، فإن حرص العبد على محبوبية الله فذلك يتطلب من العبد أن يظل متبعاً لمنهج الله ، وبعد ذلك يقول الحق : { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَـٰئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ … } .