Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 82-82)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
معنى " تولى " هي مقابل " أقبل " . و " أقبل " تعني أنه جاء بوجهه عليك . و " تولى " أعرض كما نقول نحن في تعبيراتنا الشائعة : " أعطاني ظهره " . ومعنى هذا أنه لم يأبه لي ، ولم يقبل علي . إذن فالمراد مِنْ أَخْذ العهدِ أن يُقْبَل الناسُ على ذلك الدين ، فالذي يُعرض ويعطي الإيمان الجديد ظهره يتوعده الله ويصفه بقوله : { فَمَنْ تَوَلَّىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } [ آل عمران : 82 ] بعد ماذا ؟ إنه التولي بعد أخذ العهد والميثاق على النبيين ، وشهادة الأمم بعضها على بعضها ، وشهادة الله على الجميع ، إذن فلا عذر لأحد . فمن أعطى ظهره للنبي الجديد ، فماذا يكون وعيد الله له ؟ إن الحق يصفهم بقوله : { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } [ آل عمران : 82 ] أي أن الوعيد هو أن الله يحاسبه حساب الفاسقين ، والفسق - كما نعلم - هو الخروج عن منهج الطاعة . والمعاني - كما تعرف - أخذت وضعها من المحسوسات . لأن الأصل في الوعي البشري هو الشيء المحس أولاً ، ثم تأتي المعنويات لتأخذ من ألفاظ المحسوسات . والفسق في أصل اللغة هو خروج الرطبة عن قشرتها فالبلح حين يرطب ، يكون حجم كل ثمرة قد تناقص عن قشرتها . وحينما يتناقص الحجم الطبيعي عن القشرة تصبح القشرة فضفاضة عليه ، وتصبح أي حركة عليه هي فرصة لانفلات الرطبة من قشرتها . ويقال : " فسقت الرطبة " أي خرجت عن قشرتها . وأَخَذَ الدينُ هذا التعبير وجعله وصفاً لمن يخرج عن منهج الله ، فكأن منهج الله يحيط بالإنسان في كل تصرفاته ، فإذا ما خرج الإنسان عن منهج الله ، كان مثل الرطبة التي خرجت عن قشرتها . ونحن أمام فسق من نوع أكبر ، فهناك فسق صغير ، وهناك فسق كبير . وهنا نسأل أيكون الفسق هنا مجرد خروج عن منهج طاعة الرسول ؟ لكن هذا الخروج يوصف به كل عاصٍ ، أي أن صاحبه مؤمن بمنهج وفسق جزئياً ، إننا نقول عن كل عاصٍ : " إنه فسق " أي أنه مؤمن بمنهج وخرج عن جزئية من هذا المنهج ، أما الفسق الذي يتحدث عنه الحق هنا فهو فسق القمة لأنه فسق عن ركب الإيمان كله ، فإذا كان الله قد أخذ العهد ، وشهد الأنبياء على أممهم ، وشهدت الأمم بعضها على بعض ، وشهد الله على الجميع ، أبعد ذلك تكون هناك فرصة لأن يتولى الإنسان ويعرض ؟ ثم لماذا يتولى ويعرض ؟ إنه يفعل ذلك لأنه يريد منهجاً غير هذا المنهج الذي أنزله الله ، فلو كان قد اقتنع بمنهج الله لأقبل على هذا المنهج ، أما الذي لم يقتنع فإنه يعرض عن المنهج ويطلب منهجاً غيره فأي منهج تريد يا من لا ترضى هذه الشهادة ولا هذا التوثيق ؟ خصوصاً وأنت تعلم أنه لا يوجد منهج صحيح إلا هذا المنهج ، فليس هناك إله آخر يرسل مناهج أخرى . وهكذا نعرف أنه لا يأتي منهج غير منهج الله ، إلا منهج من البشر لبعضهم بعضاً ، ولنا أن نقول لمن يتبع منهجاً غير منهج الله : من الذي جعل إنساناً أولى بأن يتبعه إنسان ؟ إن التابع لابد أن يبحث عمن يتبعه ، ولابد أن يكون الذي يتبعه أعلى منه ، لكن أن يتبع إنساناً آخر في منهج من عنده ، فهذا لا يليق ، وهو فسق عن منهج الله لأن المساوي لا يتبع مساوياً له أبداً ، ومن فضل الله سبحانه أنه جعل المنهج من عنده للناس جميعاً حتى لا يتبع إنسان إنساناً آخر . لماذا ؟ حتى لا يكون هوى إنسان مسيطراً على مقدرات إنسان آخر ، والحق سبحانه لا هوى له . إن كل إنسان يجب أن يكون هواه تابعاً لله الذي خلق كل البشر . وما دام ليس هناك إله آخر فما المنهج الذي يرتضيه الإنسان لنفسه ؟ إن المنهج الذي يرتضيه الإنسان لنفسه لو لم يتبع منهج الله هو منهج من وضع البشر ، والمنهج الذي يضعه البشر ينبع دائماً من الهوى ، وما دامت الأهواء قد وجدت ، فكل مشرِّع من البشر له هوى ، وهذا يؤدي إلى فساد الكون . قال تعالى : { وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِمْ مُّعْرِضُونَ } [ المؤمنون : 71 ] . فإذا كانوا لا يرتضون منهج الله ، فأي فسق هم فيه ؟ إنه فسق عظيم لأن الله قد أخذ عليهم العهد وعلى أنبيائهم ووثق هذا العهد ، أفغير الله يبغون ؟ نعم ، إنهم يبغون غير الله ومن هو ذلك الغير ؟ هو إله آخر ؟ لا ، فليس مع الله إله آخر ، بل هم قد جعلوا الخلق مقابل الخالق ، ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى : { أَفَغَيْرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً … } .