Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 85-85)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
إن الغاية التي تسعد العالم كله هي دين الإسلام ، ومن يرد ديناً غير ذلك فلن يقبله الله منه . فإن كان هناك من لا يعجبه تقنين السماء ويقول مندهشاً : إن في هذا التقنين قسوة إنك تُقطع يد إنسان وتشوهه نرد على مثل هذا القائل : إن سيارة تصدم سيارة تشوه عشرات من البشر داخل السيارتين ، أو قطار يصاب بكارثة فيشوه مئات من البشر . ونحن عندما نبحث عن عدد الأيدي التي تم قطعها في تاريخ الإسلام كله ، فلن نجدها إلا أقل كثيراً من عدد المشوهين بالحوادث ، وأي ادعاء بالمحافظة على جمال الإنسان مسألة تثير السخرية لأن تقنين قطع يد السارق استقامت به الحياة ، بينما الحروب الناتجة عن الهوى شوهت وأفنت المئات والآلاف ، إن مثل هذا القول سفسطة ، هل معنى تشريع العقوبة أن يحدث الذنب ؟ لا ، إن تشريع العقوبة يعني تحذير الإنسان من أن يرتكب الذنب . وعندما نقول لإنسان : " إن قتلت نفساً فسيتولى ولي الأمر قتلك " أليس في ذلك حفاظ على حياته وحياة الآخرين ؟ وحين يحافظ التشريع على حياة فرد واحد فهو يحافظ في الوقت نفسه على حياة كل إنسان ، يقول الله تعالى : { وَلَكُمْ فِي ٱلْقِصَاصِ حَيَاةٌ يٰأُولِي ٱلأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [ البقرة : 179 ] . وهكذا يصبح هذا التقنين سليماً غاية السلامة ، إذن فقول الحق سبحانه : { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ } [ آل عمران : 85 ] يدلنا على أن الذي يشرع تشريعاً يناقض ما شرعه الله فكأنه خطأ الله فيما شرع ، وكأنه قد قال لله : أنا أكثر حناناً على الخلق منك أيها الإله لأنه قد فاتتك هذه المسألة . وفي هذا القول فسق عن شرع الله ، وعلى الإنسان أن يلتزم الأدب مع خالقه . وليرد كل شيء إلى الله المربي ، وحين ترد أيها الإنسان كل شيء إلى ربك فأنت تستريح وتريح ، اللهم إلا أن يكون لك مصلحة في الانحراف . فإن كان لك مصلحة في الانحراف فأنت تريد غير ما أراد الله ، أما إذا أردت مصلحة الناس فقد شرع الحق ما فيه مصلحة كل الناس لذلك قال الحق : { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } [ آل عمران : 85 ] . وقد يقول قائل في قوله تعالى : " فلن يقبل منه " إن هذه العبارة لا تكفي في منحى اطمئناناً إلى جزاء العمل الذي أتقرب به إلى الله ، فالله قد يقبل وقد لا يقبل فهو - سبحانه - لا أحد يكرهه على شيء ، ونقول له : إنك ستأتي إلى ربك رضيت أو أبيت فما حاجتك إلى هذا القول ؟ لو كنت تستطيع أن تعجز الله وتفوته فلا يقدر عليك لحقَّ لك أن تقول ذلك ، ولكنك لا تستطيع ، فكن عاقلاً ولا تتمرد على أمر ربك ، ويقول الحق : { وَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } [ آل عمران : 85 ] . والخاسر : مأخوذة من " الخسر " ، و " الخسر " هو ذهاب رأس المال وضياعه ، والآخرة حياة ليس بعدها حياة ، ومن الغباء أن يقول قائل : " سوف أتعذب قليلاً ثم تنتهي المسألة " لا ، إن المسألة لا تنتهي لأن الآخرة حياة دائمة ولا حياة بعدها . وبعد ذلك يقول الحق سبحانه : { كَيْفَ يَهْدِي ٱللَّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوۤاْ أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَق … } .