Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 31, Ayat: 5-5)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وصف الحق سبحانه قرآنه بأنه هدى ، أما هنا فيقول : { أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى } [ لقمان : 5 ] والمتكلم هو الله - عز وجل - فلا بُدَّ أنْ نتأمل المعنى ، ربنا عز وجل يريد أنْ يقول لنا نعم القرآن هُدى ، لكن إياك أنْ تظن أنك حين تتبع هذا الهدى تنفعه بشيء ، إنما المنتفع بالهداية أنت ، فحين تكون على الهدى يدلُّك ويسير بك إلى الخير ، فالهدى كأنه مطية يُوصِّلك إلى الخير والصلاح ، فأنت مُسْتعلٍ على الهدى إنْ قَبِلْتَه ، وإنْ كان هو مُسْتَعلياً عليك تشريعاً . ثم هو هدى ممَّنْ ؟ { هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ } [ لقمان : 5 ] ممن لا يستدرك عليه ، فإنْ دلَّك دلَّك بحق ، وهَبْ أن البشر اهتدوْا إلى شيء فيه خير ، لكن بعد فترة يعارضون هم أنفسهم هذا الطريق ، ويكتشفون له مضارّ ومثالب ، ويستدركون عليه ، وربما يعدلون عنه إلى غيره ، وكم هي القوانين البشرية التي أُلغيت أو عُدِّلت ؟ إذن : الهداية والدلالة الحقة لا تكون إلا لله ، والقانون الذي ينبغي أن يحكمنا ونطمئن إليه لا يكون إلا لله ، لماذا ؟ لأن البشر ربما ينتفعون من قوانينهم ، وقد تتحكم فيهم الأهواء أو يميلون لشخص على حساب الآخر ، أما الحق - سبحانه وتعالى - فهو وحده سبحانه الذي لا ينتفع بشيء مما شرع لعباده ، ولا يحابي أحداً على حساب أحد ، والعباد كلهم عباده وعنده سواء . لذلك يطمئننا الحق سبحانه على تشريعه وعدالته سبحانه ، فيقول { مَا ٱتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَداً } [ الجن : 3 ] يعني : اطمئنوا ، فربكم ليس له صاحبة تؤثر عليه ، ولا ولد يظلم الناس فيحابيه ، فأنتم جميعاً عنده سواسية . ثم هناك فَرْق بين هُدى من الله ، وهدى من الرب ، فالرب هو الذي ربَّاك ، هو الذي أوجدك من عَدم ، وأمدك من عُدْم ، وأعطاك قبل أنْ تعرف السؤال ، وتركك تربع في كونه وتتمتع بنعمه . لذلك يُعلمك ربك : إياك أنْ تسألني عن رزق غدٍ لأنني رزقْتُك قبل أنْ تعرف أن تسأل ، ثم لم أطالبك بعبادة غدٍ ، إذن : ليكُنْ العبد مؤدباً مع ربه عزوجل . وهكذا نتبين أن الربوبية عطاء ، أما الألوهية فتكليف . ثم يخبر الحق سبحانه عنهم بخبر آخر { وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } [ لقمان : 5 ] فالفلاح نتيجة الهدى الذي ساروا عليه واتبعوه ، كما قال تعالى : { قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } [ المؤمنون : 1 ] . الفلاح أصله من فلاحة الأرض بالحرث والبَذْر والسَّقْي … الخ ، فاستعارها أسلوب القرآن للعمل الصالح ، ووجه الشبه بين الأمرين واضح ، فالفلاح يلقي الحبة فيضاعفها له ربه سبعمائة حبة ، كذلك العمل الصالح يُضَاعَف لصاحبه ، فالحسنة عند الله بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف { وَٱللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ } [ البقرة : 261 ] . واقرأ في كتاب الله هذا المثل : { مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَٱللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [ البقرة : 261 ] . وتأمل الاستدلال هنا : إذا كانت الأرض وهي مخلوقة لله تعطي كل هذا العطاء ، فكيف يكون عطاء مَنْ خلقها ؟ إذن : فهم لاشكَّ مفلحون أي : فائزون بالثمرة الطيبة التي تفوق ما بذلوه من مشقة ، كما يزرع الفلاح الأرض فتعطيه أضعاف ما وُضِع فيها . ثم يقول الحق سبحانه : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ … } .