Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 60-61)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
المتتبع لموكب الرسالات يجد أن الرسل واجهوا في نشر رسالتهم ثلاثة أصناف من البشر : صنف آمن ، وصنف كفر ، وصنف وقف متردداً بين الكفر والإيمان ، وهؤلاء هم المنافقون . ذلك لأن الرسول حين يُبعث إنما يُبعَث لتغيير وضع اجتماعي بلغ من السوء درجةً لا يحتملها الناس ، فالذي يعاني من هذا الوضع ينتظر هذا الرسول الجديد ، فما أنْ يُبعث حتى يبادر إلى الإيمان به لأنه جاء بمبادىء جديدة ، لا ظُلْم فيها ، ولا قهر ، ولا استبداد ، ولا رشوة ، ولا فساد . إذن : مَنْ عضته هذه الأحداث ، وشقى بهذا الفساد سارع إلى الإيمان ، وكذلك آمن أهل مصر ، وما إنْ دخلها الإسلام حتى أسرعوا إليه ، لماذا ؟ لأنهم شَقُوا قبله بحكم الرومان ، وكذلك آمن الفُرْس بمجرد أنْ سمعوا بالإسلام ، ورأوا الأسوة الحسنة في المسلمين بعد أنْ عَضَّهم فساد غير المسلمين . ساعة يشْقَى الناسُ بفساد الأوضاع يتطلَّعون إلى منقذ ، فإنْ جاءهم اتبعوه ، خاصة إنْ كان منهم وله فيهم مَاضٍ مُشرِّف لم يُجربوا عليه كذباً ولا نقيصة . وهذا ما رأيناه مثلاً في قصة إسلام سيدنا أبي بكر ، فما أنْ أعلن محمد أنه رسول الله حتى سارع إلى الإيمان به دون أنْ يسأله عن شيء ، لماذا ؟ لأنه عرف صِدْقه ، وعرف أمانته ، ووثق من ذلك . ومثله كان إيمان السيدة خديجة - رضي الله عنها - فما إنْ جاءها رسول الله مُضطرباً مما لاقى من نزول المَلك عليه حتى احتضنته ، وهدَّأتْ من رَوْعه ، وأنصفته ، وذهبتْ به إلى ورقة بن نوفل لتثبت له أنه على الحق ، وأن الله تعالى لن يُسلمه ولن يتخلى عنه . وكان مما قالتْ : " والله إنك لتقري الضيف ، وتحمل الكلَّ ، وتُكسِب المعدوم ، وتعين على نوائب الدهر … " . لذلك قال العلماء : إن السيدة خديجة كانت أول فقيهة في الإسلام قبل أنْ ينزل الإسلام . وطبيعي أن يكون أهل الفساد والمستفيدون منه على النقيض ، فهم ينتفعون بالفساد والاستبداد ، ويريدون أن تظلَّ لهم سيادتهم ومكانتهم ، وأنْ يظل الناسُ عبيداً لهم ، يأكلون خيراتهم ويستذلونهم . وهؤلاء الذين استعبدوا الناس ، وجعلوا من أنفسهم سادةً بل آلهة ، ويعلمون أن الرسول ما جاء إلا للقضاء على سيادتهم وألوهيتهم الكاذبة ، هؤلاء لا بُدَّ أن يصادموا الدعوة ، لا بُدَّ أنْ يكفروا بها ، وأن يحاربوها ، حِفَاظاً على سيادتهم وسلطتهم الزمنية . وعجيب أن نرى من عامة الناس مَنْ أَلِف هذه العبودية ، ورضي هذه المذلة ، واكتفى بأنْ يعيش في كَنَف هؤلاء السادة مهما كانت التبعاتُ ، هؤلاء وأمثالهم هم الذين قالوا : { وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [ الزخرف : 31 ] . فبعد أنْ جاءهم الرسول المنقذ ما زالوا يتطلعون إلى عظيم يستعبدهم . وكلٌّ من هذيْن الفريقين المؤمن ، والكافر كان منطقياً مع نفسه ، فالمؤمن آمن بقلبه ، ونطق بلسانه ، والكافر كفر بقلبه ، وكفر بلسانه ، لأنه لم ينطق بكلمة التوحيد ، والإنسان قلبٌ وقالبٌ ، ولا بُدَّ في الإيمان أنْ يوافق القالبُ ما في القلب . أما الصنف الثالث وهو المنافق ، فليس منطقياً مع نفسه ، لأنه آمن بلسانه ، ولم يؤمن بقلبه ، فهو جبان يُظهر لك الحب ، ويُضمِر الكره لذلك جعلهم الله في الدَّرْك الأسفل من النار . لذلك ، فالعرب لما سألهم رسول الله أنْ يقولوا : لا إله إلا الله ، ليبطل بها سيادة زعماء الكفر أبوْا أن يقولوها ، لماذا ؟ لأنهم يعلمون أنها ليست كلمة تُقال ، إنما لها تبعات ، ويترتب عليها مسئوليات لا يقدرون هم على القيام بها ، ولو أنها كلمة تُقَال لقالوها ، وانتهى العداء بينهم وبين رسول الله . فمعنى لا إله إلا الله : لا عبودية إلا لله ، ولا خضوعَ إلا لله ، ولا تشريعَ إلا لله ، ولا نافع إلا الله … إلخ ، وكيف تستقيم هذه المعاني مع مَنْ أَلِف العبودية والخضوع لغير الله ؟ والحق - تبارك وتعالى - لما تكلّم هنا عن المنافقين خَصَّ المدينة ، فقال سبحانه { لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ وَٱلْمُرْجِفُونَ فِي ٱلْمَدِينَةِ … } [ الأحزاب : 60 ] فالنفاق لم يظهر في مكة ، وهي مَعْقل الكفر والأصنام ، إنما ظهر في المدينة ، وهي التي آوَتْ مهاجري رسول الله ، وكان غالبية أهلها من أهل الكتاب ، وهم أقرب إلى الإيمان من الكفار ، فلماذا هذه الظاهرة ؟ قالوا : لإن الإسلام كان ضعيفاً في مكة ، وصار قوياً في المدينة ، فالنفاق ظاهرة صحية للإسلام لأنه لولا قوته ما نافقه المنافقون ، فظهور النفاق في المدينة دليل على قوة الإسلام فيها ، وأنه صارت له شوكة ، وصارت له سطوة لذلك نافق ضعافُ الإيمان ليأخذوا خير الإسلام ، وليحتموا بحماه ، وإلا فالضعيفُ لا يُنَافَق . نعم ، ظهر النفاق في المدينة التي قال الله في حق أهلها : { وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُوا ٱلدَّارَ وَٱلإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ … } [ الحشر : 9 ] . ويقول عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جُحْرها " . وأيضاً القرآن هو الذي قال عن أهل المدينة : { وَمِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ … } [ التوبة : 101 ] وهذا ليس استضعافاً للمدينة ، إنما إظهار لقوة الإسلام فيها ، بحيثُ أصبحتْ له سطوة وقوة تُنافَق . هنا قوله تعالى : { لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ ٱلْمُنَافِقُونَ … } [ الأحزاب : 60 ] ساعة تسمع { لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ … } [ الأحزاب : 60 ] فاعلم أن الله تعالى أقسم بشيء وهذا القول هو جواب القسم ، والحق سبحانه لا يُقسِم إلا على الشيء العظيم ، ونحن البشر نُقسِم لنؤكد كلامنا ، كما تقول : والله إنْ ما حدث من فلان كذا وكذا سأفعل كذا وكذا . أما الحق سبحانه ، فكلامه صادق ونافذ دون قَسَم ، فما بالُكَ إنْ أقسم ؟ لذلك يقول بعض العارفين إذ سمع الله تعالى يُقسِم : مَنْ أغضب الكريم حتى ألجأه أن يقسم ؟ كلمة { ٱلْمُنَافِقُونَ … } [ الأحزاب : 60 ] مفردها منافق ، مأخوذ من نَافَقاء اليربوع ، واليربوع حيوان صغير يشبه الفأر ، يعرفه أهل البادية ، يعيش في جحور ، فيترصدونه ليصطادوه ساعة يخرج من جُحْره ، لكن هذا الحيوان الصغير فيه لُؤْم ودهاء ، فماذا يفعل ؟ يجعل لجُحْره مدخلين ، واحد معروف ، والآخر مستتر بشيء ، فإذا أحس بالصياد على هذا المدخل ذهب إلى المدخل الآخر لذلك أشبه المنافق تماماً الذي له قلب كافر ولسان مؤمن . وتلحظ أن المنافقين وصفهم الله هنا بصفات ثلاث { ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ وَٱلْمُرْجِفُونَ فِي ٱلْمَدِينَةِ … } [ الأحزاب : 60 ] فالعطف هنا لا يقتضي المغايرة ، إنما عطف صفات مختلفة لشيء واحد ، وجاءتْ هذه الصفات مستقلةً لأنها أصبحتْ من الوضوح فيهم ، بحيث تكاد تكون نوعاً منفرداً بذاته . وقد وصف القرآن في موضع آخر المنافقين بأن في قلوبهم مرضاً ، فقال سبحانه : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } [ البقرة : 8 - 10 ] . وفي هذا دليل على أن الواو هنا أفادت عطف صفة على صفة ، لا طائفة على طائفة ، ومِثْله العطف في قوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُوا ٱلدَّارَ وَٱلإِيمَانَ … } [ الحشر : 9 ] فالدار أي المدينة ، وكذلك الإيمان يُراد به المدينة أيضاً . ومعنى { وَٱلْمُرْجِفُونَ … } [ الأحزاب : 60 ] المرجف من الإرجاف ، وهو الهزَّة العنيفة التي تزلزل ، ومنه قوله تعالى : { يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا ٱلرَّادِفَةُ } [ النازعات : 7 ] فالمرجفون هم الذين يحاولون زلزلة الشيء الثابت ، وزعزعة الكيان المستقر ، كذلك كان المنافقون كلما رأو للإسلام قوةً حاولوا زعزعتها وهزّها لإضعافه والقضاء عليه . وهؤلاء هم الذين نسميهم في التعبير السياسي الحديث الطابور الخامس ، وهم الجماعة الذين يُروِّجون الإشاعات ، ويذيعون الإباطيل التي تُضِعف التيار العام وتهدد استقراره . وكثيراً ما قعد المنافقون يقولون : إن قبيلة فلان وقبيلة فلان اجتمعوا للهجوم على المدينة والقضاء على محمد ورسالته ، وهدفهم من هذه الإشاعات إضعاف وهزيمة الروح المعنوية لدى المسلمين الجدد والمستضعفين منهم . حتى على مستوى الأفراد ، كانوا يذهبون إلى مَنْ يفكر في الإسلام ، أو يرون أنه ارتاح إليه ، فيقولون له : ألم تعلم أن فلاناً أخذه قومه ، أو أخذه سيده وعذَّبه حتى الموت لأنه اتبع محمداً ، ذلك ليصرفوا الناس عن دين الله . إذن : المرجِفُ يعني الذي يمشي بالفتنة والأكاذيب ليصرف أهل الحق عن حقهم ، بما يُشيع من بهتان وأباطيل . لذلك يهددهم الحق سبحانه : لئن لم ينته هؤلاء المنافقون عن الإرجاف في المدينة وتضليل الناس لَيكُونَنَّ لنا معهم شأن آخر ، كان هذا وقت مهادنة ومعاهدة بين المسلمين واليهود وأتباعهم من المنافقين ، وكأن الله تعالى يقول : لقد سكتنا على جرائمهم إلى أنْ قويَتْ شوكة الإسلام ، أما وقد صار للإسلام شوكة فإنْ نقضوا عهدهم معنا فسوف نواجههم . وعجيب من هؤلاء المرجفين أنْ يظنُّوا أن الله لا يعلم أباطيلهم ، ولا يعلمها رسوله ، والله تعالى يقول : { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ ٱللَّهُ أَضْغَانَهُمْ * وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ ٱلْقَوْلِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ } [ محمد : 29 - 30 ] . ومعنى لحن القول : أن يميلوا بالكلام عن غير معناه ، ومن ذلك قولهم في السلام على رسول الله : السام عليكم ، والسام هو الموت ، وكما لووا ألسنتهم بكلمة راعنا فقالوا : راعونا يقصدون الرعونة . وأغرب من ذلك ما حكاه القرآن عنهم : { وَيَقُولُونَ فِيۤ أَنفُسِهِمْ لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُ … } [ المجادلة : 8 ] . فهذا القول منهم دليل على غبائهم . أولاً : لأنهم يتمنوْنَ العذاب . ثانياً : لأنهم قالوا ذلك في أنفسهم لم يقولوا للناس ، ولم يقولوا حتى لبعضهم البعض لأن يقولون جمع ، و في أنفسهم جمع ، فكأن كلاً منهم كان يقول ذلك في نفسه . إذن : ألم يسأل واحد منهم نفسه : مَنِ الذي أعلم رسولَ الله بما في نفسي ؟ أَلاَ يدل ذلك على أن محمداً موصول بربه ، وأنه لا بُدَّ فاضحهم ، وكاشفٌ مكنونات صدورهم ، إذن : هذا غباء منهم . والمتتبع لتاريخ اليهود والمنافقين في المدينة يجد أن الإسلام لم يأخذهم على غرَّة ، إنما أعطاهم العهد وأمنَّهم ووسَّع لهم في المسكن والمعيشة طالما لم يُؤذُوا المسلمين ، لكن بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم يتناجوْنَ بالإثم والعدوان ، فبعث إليهم ونهاهم عن التناجي بالإثم والعدوان ، لكنهم عادوا مرة أخرى ، كما قال القرآن عنهم { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نُهُواْ عَنِ ٱلنَّجْوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ } [ المجادلة : 8 ] . إذن : لم يَبْقَ إلا المواجهة على حَدِّ قول الشاعر : @ أَنَاةٌ فإنْ لَمْ تُغْنِ عقَّبَ بَعْدهَا وَعيداً فإنْ لم يُغْنِ أغنَتْ عَزَائمهُ @@ لذلك يأتي جواب الشرط : { لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ وَٱلْمُرْجِفُونَ فِي ٱلْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ … } [ الأحزاب : 60 ] . فجواب الشرط : { لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ … } [ الأحزاب : 60 ] من الإغراء ، وهو باب من أبواب الدراسات النحوية اسمه الإغراء ، ويقابله التحذير ، الإغراء : أنْ تحمل المخاطب وتُحبِّبه في أمر محبوب ليفعله ، كما تقول لولدك مثلاً : الاجتهادَ الاجتهادَ . أما التحذير فأنْ تُخوِّفه من أمر مكروه ليجتنبه ، كما تقول : الأسدَ الأسدَ ، أو الكسلَ الكسلَ . فمعنى { لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ … } [ الأحزاب : 60 ] أي : نُسلِّطك عليهم ، ونُغريك بمواجهتهم والتصدِّي لهم ، فكأن هذه المواجهة صارتْ أمراً محبوباً يُغْرى به لأنها ستكون جزاءَ ما فزَّعوك وأقلقوك . وما دمنا سنسلطك عليهم ، وما دمتم ستصيرون إلى قوة وشوكة تُغرى بعدوها ، فلن يستطيعوا البقاء معكم في المدينة . { ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ إِلاَّ قَلِيلاً } [ الأحزاب : 60 ] أي : في المدينة ، وكلمة { إِلاَّ قَلِيلاً } [ الأحزاب : 60 ] يمكن أنْ يكون المعنى : قليل منهم ، أو قليل من الزمن ريَثْما يجدوا لهم مكاناً آخر ، يرحلون إليه مُشيَّعين بلعنة الله . { مَّلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوۤاْ أُخِذُواْ وَقُتِّلُواْ تَقْتِيلاً } [ الأحزاب : 61 ] . الملعون : المطرود من رحمة الله ، أو مطرودون من المدينة بعد أنْ كشف الله دخائِلَ نفوسهم الخبيثة لذلك طردهم رسول الله من المسجد لأنهم كانوا من خُبْثهم ولُؤْمهم يدخلون المسجد ، بل ويُصلُّون في الصف الأول ، يظنون أن ذلك يستر نفاقهم . لكن رسول الله كان يطردهم بالاسم : يا فلان ، يا فلان ، فكان صلى الله عليه وسلم يعرفهم ، ولم لا وقد قال الله له : { وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ … } [ محمد : 30 ] . ومعنى { أَيْنَمَا ثُقِفُوۤاْ … } [ الأحزاب : 61 ] أي : وُجِدوا { أُخِذُواْ … } [ الأحزاب : 61 ] أي : أُسِروا { وَقُتِّلُواْ تَقْتِيلاً } [ الأحزاب : 61 ] ولاحظ المبالغة في { وَقُتِّلُواْ … } [ الأحزاب : 61 ] والتوكيد في { تَقْتِيلاً } [ الأحزاب : 61 ] يعني : اقتلوهم بعنف ، ولا تأخذكم فيهم رحمة جزاءَ ما ارتكبوه في حق الإسلام والمسلمين . ولأن المنافق الذي طُبع على النفاق صارت طبيعته مسمومة مُلوّثة لا تصفو أبداً ، فالنفاق في دمه يلازمه أينما ذهب ، ولا بُدَّ أنْ ينتهي أمره إلى الطرد من أي مكان يحل فيه . لذلك ، فمع أن الله تعالى قطَّعهم في الأرض أمماً ، إلا أن كل قطعة منهم في بلد من البلاد لها تماسك فيما بينها ، بحيث لا يذوبون في المجتمعات الأخرى فتظل لهم أماكن خاصة تُعرف بهم ، وفي كل البلاد تعرف حارة اليهود ، لكن لا بد أنْ يكتشف الناس فضائحهم ، وينتهي الأمر بطردهم وإبادتهم ، وآخر طرد لهم ما حدث مثلاً في ألمانيا . وصدق الله حين قال فيهم : { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ } [ الأعراف : 167 ] . ثم يقول الحق سبحانه : { سُنَّةَ ٱللَّهِ فِي ٱلَّذِينَ … } .