Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 34, Ayat: 5-5)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

السعي هو المشي الحثيث وقطع المسافة ، فما معنى { سَعَوْا فِيۤ آيَاتِنَا … } [ سبأ : 5 ] ألم تسمع قولهم : سعى فلان بفلان عند السلطان مثلاً ؟ والمراد : أنه نَقَل إلى السلطان ما يُغضبه وما يُحزنه من هذا الشخص ، وهذه التي نسميها في العامية وبين الموظفين ضربه زُنْبَة هي هنا بنفس هذا المعنى . { سَعَوْا فِيۤ آيَاتِنَا … } [ سبأ : 5 ] يعني : ضربوا فيها زُنَب وألَّبوا الناس عليها ليزهد فيها مَنْ كان مُقْبلاً عليها ، ويخرج منها مَنْ كان فيها ويتملَّص منها ، سعَوْا في آيات الله وهي القرآن ليبطلوه وليصرفوا الناس عنه ، لماذا ؟ لأنهم واثقون من أثر القرآن في القلوب ، فلو أعطاه الناسُ آذانهم لابد وأنْ يؤثر فيهم ويجذبهم إلى ساحة الإيمان ، فتنفعل به قلوبهم . وتلهج به ألسنتهم . وهؤلاء هم الذين قالوا : { لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } [ فصلت : 26 ] ولو كان القرآن كلاماً عادياً غير ذي أثر لَمَا نَهوْا عن سماعه ، ولما شوَّشوا عليه ، وخافوا من سماعه . ومعنى { مُعَاجِزِينَ … } [ سبأ : 5 ] مفردها مُعَاجز : اسم فاعل من عَاجَزَ مثل : قَاتَل ومقاتل ، وعاجز مثل نافس ، والمنافسة الأصل فيها التسابق في التنفس ، وقد رُوى أن سيدنا عمر وسيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما مَرَّا ببحيرة ، فقال عمر : هيا بنا نتنافس يعني : نغطس تحت الماء ، لنرى أيّنا أطول نَفَساً من الآخر ، ومعروف أن طول فترة الغطس تدل على قوة التنفس وسلامة الرئة ، وأنها تحتوى مخزوناً أكبر من الهواء ، ثم أُطلِقت المنافسة على كل مسابقة . ومثل نافس : عَاجَزَ يعنى : حاول كُلٌّ من الطرفين إثبات عجز الآخر . تقول : عاجزني يعني : جعلني أفعل فعلاً أعجز عنه ، فكأنهم يريدون بسعيهم في آيات الله أنْ يُثبِتوا عجزها ، وأن يُعجِزوا الدعوة أنْ تبلغ مداها ، ويُعجِزوا رسولَ الله أنْ يتمم رسالته ، ويُعْجزوا منهج الله أن يصل إلى خلق الله . لكن يُعاجزون مَنْ ؟ يُعاجزون الله ؟ كيف وهو سبحانه الذي أرسل الرسل ، وتكفَّل بنصرتهم وعدم التخلِّي عنهم ، وما كانت الحروب والقتال بين الرسل والمكذبين إلا سبباً يأتي من خلاله نصر الله ، كما قال سبحانه : { قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ } [ التوبة : 14 ] . وقال سبحانه : { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } [ الصافات : 171 - 172 ] . إذن : مَنْ سيُعاجزون ؟ ربما يُقبل أنْ يُعاجزوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يُعاجزوا المؤمنين ، أما الحق سبحانه فهو الغالب القادر ، وهل يستطيع أحد أنْ يُعجز الله ، ويتغلب عليه سبحانه ، فيجعله عاجزاً ، وهو سبحانه القادر الغالب ؟ فمعنى { سَعَوْا فِيۤ آيَاتِنَا … } [ سبأ : 5 ] أي : وضعوا المكايد والعراقيل في طريقها : ليفسدوا أمر الدعوة ، وحتى يردُّوها على رسول الله في فمه الذي قالها { مُعَاجِزِينَ . . } [ سبأ : 5 ] حالة كونهم معاجزين ، يعني : يسيرون مع خالقهم في مضمار واحد ، الله يريد أن يُعجزهم ، وهم يريدون أنْ يُعجزوا الله ، وأنْ يكونوا في مكان القدرة الإلهية العليا ليثبتوا أن الدعوة باطلة . ثم يُبيِّن سبحانه جزاء هؤلاء المعاجزين : { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ } [ سبأ : 5 ] الرِّجز والرُّجز هو الحِمْل الثقيل ، وأصله الذنب ، وما يترتب عليه من عقوبة لذلك يقول تعالى : { وَٱلرُّجْزَ فَٱهْجُرْ } [ المدثر : 5 ] أي : الذنب الكبير ، أو العقوبة المترتبة عليه ، والمعنى : لا تفعل الذنب ، ولا ما يؤدي للعقوبة ، وإذا هجرتَ الذنب لا تأتي العقوبة . وقد وُصف العذاب هنا بأنه { عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ } [ سبأ : 5 ] والعذاب يُوصَف مرة بأنه أليم ، ومرة بأنه مهين ، ومرة بأنه عظيم ، وهي أوصاف تدل على مَعَانٍ مختلفة لحال واحدة ، فهو أليم أي : يؤلم صاحبه ، فإنْ كان جَلْداً يدعى التحمُّل فله عذاب مهين يُهينه ، ويحطُّ من كرامته ، وهو الذي يتعالى أو يظنُّ نفسه عظيماً . والعذاب المهين ليس بالضرورة أن يكون مؤلماً ، فمن الناس مَنْ يؤلمه التوبيخ والتقريع ، فإن أردتَ ضخامة العذاب من حيث القدر ، فهو عذاب عظيم . إذن : إن أردتَ الإيلام فهو عذاب أليم ، وإنْ كان قليلاً في قدره ، وإنْ أردتَ التحقير والإهانة فهو عذاب مهين ، وإنْ أردتَ ضخامة العذاب فهو عذاب عظيم . ثم يقول الحق سبحانه : { وَيَرَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ ٱلْحَقَّ … } .