Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 51-53)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله سبحانه : { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ } [ يس : 51 ] أي : البوق الذي ينفخ فيه إسرافيل ، وهذه هي نفخة البعث ، وتسبقها نفخة الصَّعْق التي تُميتهم وتخمدهم ، لذلك يقول سبحانه : { ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ } [ الزمر : 68 ] . فإنْ قُلْتَ : النفخة واحدة ، فكيف تميت الأولى وتحيي الثانية ؟ نقول : النفخة في الصُّور ما هي إلا علامة فقط للحدث أمّا الفاعل على الحقيقة فهو الله سبحانه وتعالى ، فهو الذي يميت في الأولى ، ويحيي في الثانية . ومعنى { ٱلأَجْدَاثِ } [ يس : 51 ] القبور { إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ } [ يس : 51 ] يعني : يُسرعون وأصل كلمة { يَنسِلُونَ } [ يس : 51 ] من نسل الخيوط بعضها عن بعض ، نقول : الثوب ينسل يعني : تخرج بعض الخيوط من أماكنها من اللُّحْمة أو السُّدَّة ، لذلك نقول : كفف الخياطة يعني : امنع هذا التنسيل بأن تُمسك الخيوط بعضها إلى بعض ، فلا تنفلت . فإذا ما خرجوا من الأجداث ورأوا الحقيقة التي طالما كذَّبوها قالوا : { يٰوَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا } [ يس : 52 ] هم الذين يقولون ويدْعُون على أنفسهم بالويل والثبور لا أحد يقول لهم : ويلكم إنما يقولونها هم لأنفسهم ، وهذا بيان للحسرة على ما فاتهم . والمعنى : يا ويلنا احضر ، فهذا أوانك ، لأن الأمر فوق ما نحتمل ، ولا نستطيع دفعه ، والإنسان حين يُفاجأ بفساد رأيه يعود على نفسه باللوم ، بل قد يضربها ويعذبها . وعجيب منهم أنْ يقولوا الآن { مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا } [ يس : 52 ] فيعترفون بأن الموت كان مجرد مَرْقَد ، والمرقد لا بُدَّ بعده من يقظة . عندها يردُّ عليهم : { هَذَا } أي : ما تروْنَه من أمور القيامة { مَا وَعَدَ ٱلرَّحْمـٰنُ وَصَدَقَ ٱلْمُرْسَلُونَ } [ يس : 52 ] ويجوز أنْ يكون اسم الإشارة { هَذَا } إشارة إلى { مَّرْقَدِنَا } في { مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا } [ يس : 52 ] . الحق - سبحانه وتعالى - أخبر أنه جامعُ الناس ليوم لا ريب فيه ، وأن مَنْ أفلت من عقوبات الدنيا وعذاب الحياة التي يعيشون فيها ، فإن الله مُدَّخِر له عذاباً من نوع أشد لأن الذين قاموا بالدعوة إلى الله أول الأمر واضطهِدوا وأُوذوا ، منهم من مات في الاضطهاد قبل أنْ يرى انتصار الإسلام وغلبة المسلمين ، وقبل أنْ يرى انتقامَ الله من أعدائه ، فإذا كان الأمر كذلك فلا بُدَّ أن يُرِي الله هؤلاء المؤمنين عاقبةَ الكافرين وما نزل بهم من العذاب . والوعد هنا رغم أنه إنذار بالشرِّ الذي ينتظرهم ، إلا أنه في حقهم يُسمَّى وَعْداً لا وعيداً ، لماذا ؟ لأن التحذير من الشر قبل الوقوع فيه نعمة كبرى ، كما في قوله تعالى في سورة الرحمن : { يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ * فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [ الرحمن : 35 - 36 ] . فجعل النار والشُّواظ من آلاء الله لأنه يُخوِّفهم بها ، ويحذرهم منها ، ولم يفاجئهم بها وهم أصحاء ، ويسمعون ويبصرون ، ويقدرون على الرجوع إلى الله والتوبة إليه ، فهم في وقت المهلة والتدارك . وكما تُحذِّر ولدك من الرسوب إنْ هو أهمل دروسه وتتوعده ، إذن : فالوعيد هنا عَيْن النعمة لذلك سُمِّي وعداً لا وعيداً . ومعنى : { وَصَدَقَ ٱلْمُرْسَلُونَ } [ يس : 52 ] أى : في البلاغ عن الله { إِن كَانَتْ } [ يس : 53 ] أي : ما كانت النفخة { إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً } [ يس : 53 ] لا تتكرر لأن الذي يُكرر الفعل البشر ، ومعنى تكراره أن الفعل الأول لم يكُنْ كافياً ولم يَفِ بالغرض منه ، أمَّا هنا فالفاعل الله عز جل . { إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ } [ يس : 53 ] إذا هنا فجائية ، فبمجرد الصيحة أُحْضِروا جميعاً رغماً عنهم ، وبدون اختيارهم ، ومُحضر اسم مفعول من أحضر . يعني : أُجبر على الحضور والمثول بين يدي الله للحساب . وفي الآية السابقة { وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ } [ يس : 32 ] فزادتْ كل الدالة على شمول الأفراد ، إنما قد يكون شمول الأفراد تتابعاً مجموعة تلوْ الأخرى ، لكن هنا يأتون مجموعين ليرى التابع متبوعه ، والضال مَنْ أَضلَّه … الخ لذلك يسمونها الفاضحة .