Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 36, Ayat: 74-75)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
عجيبٌ أن يحكي القرآن عنهم هذا بعد أن شرح اللهُ لهم آياته التي تثبت وجوده الأعلى ووحدانيته الكبرى ، ففي الآفاق حول الإنسان آيات ، وفي نفسه آيات ، فمَنِ انصرف عن الأولى أو غفل عنها ، فكيف يغفل عن الأخرى ، وهي في نفسه وذاته التي لا تفارقه . لذلك قال سبحانه : { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ } [ فصلت : 53 ] . ومع ذلك { وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ آلِهَةً } [ يس : 74 ] أي : عبدوها من دون الله ، لماذا ؟ { لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ } [ يس : 74 ] صحيح أن الإنسان يتخذ إلهاً منه لينصره في شدته ، لكن إذا كان هذا الإله الذي ترجع إليه في الشدة هو الذي يرجع إليك ويحتاجك لتصلحه إنْ كسرتْه الريح ، أو أطاحت به العوارض ، فإن وقع تقيمه ، وإنْ كُسِرت ذراعه أصلحتها ، وإن جاء السيل جرفه ، وألقى به في الوحل ، إذن : كيف يُتَّخذ هذا إلهاً ؟ وتعرفون قصة سيدنا إبراهيم لما حطم الأصنام سأل قومه : { أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَا يٰإِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ } [ الأنبياء : 62 - 63 ] . وهكذا أوقفهم نبي الله إبراهيم على كلمة الحق التي لا يستطيعون إنكارها ، وهي أنهم جمادات صمَّاء لا تنطق { فَرَجَعُوۤاْ إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوۤاْ إِنَّكُمْ أَنتُمُ ٱلظَّالِمُونَ } [ الأنبياء : 64 ] لكن سرعان ما تنبهوا إلى خطورة هذا الاعتراف ، فعادوا إلى ما كانوا عليه من المكابرة والعناد { ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَـٰؤُلاۤءِ يَنطِقُونَ } [ الأنبياء : 65 ] عندها رأى إبراهيم أنْ يجابههم بهذه الحقيقة التي يحاولون الانفلات منها { قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلاَ يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [ الأنبياء : 66 - 67 ] . لذلك يرد الله عليهم : { لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ } [ يس : 75 ] فهم لا ينصرون عابديهم ، إنما العابدون هم الذين ينصرونهم ، ويوم القيامة سيجمعهم الله معاً ، لا يُحشر العابد بدون المعبود لتكون المواجهة ، فلو حُشِر العابد وحده لانتظر معبوده ينصره ويدافع عنه ، إنما يُحشَر الجميع معاً ، كما قال سبحانه : { مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ ٱلْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ } [ الصافات : 25 - 26 ] . وقال سبحانه : { ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ } [ الصافات : 22 ] أي : أحضروهم معهم في النار ، العابد والمعبود ، والمعنى أن هذه الأصنام ستكون وقوداً للنار التي يُعذَّب بها العابدون . وبعد ذلك يعود السياق إلى رسول الله ، الذي يكابرون فيه ويعاندونه : { فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ … } .