Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 9-9)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هل معنى هذا أن الله تعالى يساعدهم ، ويُعينهم على الكفر ؟ قالوا : نعم لأن عبدي حين أناديه فيتأبَّى عليَّ في ندائي ، ولا يُقبِل عليَّ بعبوديته لي أعينه على كفره لأنني رَبٌّ غني عنه ، فإنْ أحب الكفر وعشقه ولم يَعُدْ هناك أمل في هدايته أختم على قلبه ، فلا يدخله إيمان ، ولا يخرج منه الكفر . لذلك مَنْ تجنَّى عليك وصَدَّ عنك فأعِنْه على ذلك ، ولا تُذكِّره بنفسك . إذن : ما كفر أحد غَصْباً عن الله ، إنما كفر بما أودع الله فيه من اختيار ، ولأنه سبحانه رَبٌّ وهو خالق العباد ، فعليه سبحانه أنْ يُعينهم ، كلاً على ما يريد ، فالذي أراد الإيمان وأحبَّه أعانه على الإيمان ، والذي أراد الكفر وعَشِقه أيضاً أعانه عليه وساعده . لذلك ختم الله على قلوب الكافرين ، وهنا يقول : { وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ } [ يس : 9 ] يعني : أمامهم { سَدّاً } [ يس : 9 ] حاجزاً ومانعاً { ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً } [ يس : 9 ] . هذا مانع مادي خارج عن تكوين الإنسان { فَأغْشَيْنَاهُمْ } [ يس : 9 ] يعني : جعلنا على أبصارهم غشاوة وغطاءً ، فهم مصدودون عن الحق لأشياء . أولاً : في ذواتهم أغشينا أبصارهم فلا يروْنَ ولا يهتدون لأنهم بذواتهم لم يذكروا عهد الفطرة الأولى التي فطر اللهُ الناس عليها . أما الخارج عنهم ، ففي المنهج الذي لم يلتفتوا إليه ، لا فيما أمامهم ، ولا فيما وراءهم لأن هناك سَدّاً يمنعهم ، فلو تذكَّروا ما ينتظرهم لارتدعوا عن غَيِّهم ، ولو تأملوا ما نزل بمَنْ سبقهم من المكذِّبين ، وما حاق بهم من عذاب الله لرجعوا . لكن جعل الله من أمامهم سَدّاً ، فلا يعرفون ما ينتظرهم ، ومن خَلفهم سَدّاً فلا يتدبرون ما حاق بأسلافهم ، ممَّن قال الله فيهم : { فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا … } [ العنكبوت : 40 ] . فإنْ قُلْتَ : الحق سبحانه جعل سَدّاً يمنعهم من الجهة الأمامية ، وسَدّاً يمنعهم من الجهة الخلفية ، فماذا لو ساروا على جنب إلى اليمين ، أو إلى اليسار ؟ قالوا : لو ساروا وتوجهوا إلى اليسار مثلاً لَصَار اليسار بالنسبة لهم أمام ، واليمين صار خلفاً ، فهم إذن مُحَاصرون بالموانع ، بحيث لا أمل لهم في الرجوع إلى منهج الحق ، وإلى الصواب . ويصح أن يكون المعنى { وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً } [ يس : 9 ] أي : مانعاً يمنعهم من التأمل والنظر في الأدلة العقلية المنصوبة أمامهم ليؤمنوا { ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً } [ يس : 9 ] يمنعهم ، فلم ينتهوا إلى الفطرة الإيمانية المُودَعة فيهم . ثم يقول الحق سبحانه : { وَسَوَآءُ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ … } .