Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 37, Ayat: 180-182)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يختم الحق سبحانه السورة بالسُّبحانية التي تُثبت التنزيه لله تعالى في ذات ليست كالذوات ، وفي صفات ليست كالصفات ، وفي أفعال ليست كالأفعال ، فكل شيء له سبحانه ولخَلْقه فيه نسبة نأخذه في إطار { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [ الشورى : 11 ] . فالمعنى : { سُبْحَانَ رَبِّكَ } [ الصافات : 180 ] أي : تنزَّه ربك عن كل نقص وعن كل مُشابهة ، فالخَلْق ذواتٌ ، لكن ليست كذاته سبحانه ، ولهم وجود ليس كوجوده سبحانه ، ولهم غِنىً ليس كغِنَاهُ ، وحكمة ليست كحكمته … إلخ . ومعنى { رَبِّ ٱلْعِزَّةِ } [ الصافات : 180 ] كلمة رب تفيد التربية وهي تأهيل المربي لأنه ينجح في الغاية المنوطة به المطلوبة منه ، ولكي تعده لا بُدَّ أنْ تعرف أولاً الغاية التي وُجِد من أجلها ، بعد ذلك لا بُدَّ أنْ تكون لديك حكمة تحدد له المنهج الذي يوصله إلى هذه الغاية . إذن : مَنْ يحدد الغاية من وجود الإنسان ؟ قلنا : إن الصانع من البشر هو الذي يحدد الغاية من صنعته أولاً ، وقبل أنْ يشرع فيها فهل مخترع التليفزيون مثلاً صنعه ثم قال لنا : انظروا في أي شيء يمكن أنْ يُستعمل هذا الجهاز ؟ لا بل حدَّد الهدف وحدَّد الغاية أولاً ، كذلك غايتك أيها الإنسان لا يحددها لك إلا مَنْ خلقك . فصيانة الصنعة يقوم بها الصانع ، كذلك صيانة الخَلْق لا تكون إلا بمنهج الحق . لذلك نقول : ما فسدت الدنيا إلا حين خرج الإنسان عن هذا الإطار ، فحدَّد لنفسه الغاية ، ووضع لنفسه منهج الحياة ونحَّى صانعه ومنهج صانعه جانباً ، وقلنا : إن منهج الخالق للخَلْق مثل الكتالوج الذي به تُصَان الصنعة ، وبه نصلح ما فيها من عطب ، ويُشترط في واضح المنهج أن يكون من الدقة والحكمة بحيث لا يفوته شيء ولا يستدرك عليه ، ولا نضطر إلى تعديل ما وضع ، والخالق سبحانه هو الأعلم بعباده وصنعته ، وهو الأعلم بما يصلحهم في الدنيا وفي الآخرة { أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ } [ الملك : 14 ] . وإلا فلماذا يستدعينا الخالق سبحانه إلى خمس مرات في اليوم والليلة ، ويجعل الصلوات فرضاً لازماً لا يسقط عن الإنسان بحال من الأحوال ، لذلك شُرِعَتْ صلاة السفر وصلاة المريض ، حتى أنه إذا اشتد عليه المرض صلَّى ولو بطرفة عينه أو بخاطر نفسه . وسبق أنْ قلنا في هذه المسألة : إنك حين تريد مثلاً مقابلة رئيس أو مسئول كبير ، فلا بُدَّ لك من موعد مسبق وموافقة وإجراءات ، بل ويحدد لك ما تقوله ، ثم هو الذي يُنهي المقابلة … الخ أما لقاؤك مع ربك فلقاء المحب الذي يترك لحبيبه أنْ يحدد وقت المقابلة ومكانها وموضوعها ، ويترك له أنْ ينهيها متى أحبَّ ، وأنْ يبدأها متى شاء ، فإنْ أردتَ لقاء ربك فما عليك إلا أنْ تستعد له وتكبِّر : الله أكبر ، كلمة تجعلك مباشرة في حضرة ربك عز وجل . وتصوَّر صنعة تُعرَض على صانعها خمس مرات كل يوم ، أيبقى فيها عطب أو فساد ؟ لذلك " كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حَزَبه أمر يُهْرَع إلى الصلاة ، وكان يقول : " أرحنا بها يا بلال " " نعم أرحنا بها ، لا أرحنا منها . إذن : ذكر سبحانه في الختام السبحانية ، ثم الربوبية التي تربيك وتُعدك للمهمة المرادة منك ، هذه التربية تُربِّيك لماذا ؟ تربيك للعزة { رَبِّ ٱلْعِزَّةِ } [ الصافات : 180 ] والعزة أنْ تغلب ولا يغلبك أحدٌ أبداً ، وقلنا - ولله تعالى المثل الأعلى - الولد الصغير حين يسير في الشارع وحده يتجرأ عليه الآخرون ، ويتحرشون به ويضربونه ، أما إنْ سار في صحبة والده وأخذه في يده لا يجرؤ أحد على التعرُّض له ، كذلك أنت أيها المسلم كُنْ دائماً في حضن ربك ، وفي يده ، وفي معيته ، وعندها لن يجرؤ أحد عليك . إذن : العزة التي يتصف بها الحق سبحانه ، ويفيض منها على عباده هي الغَلَبة التي لا تُقهر ، والقدرة التي لا تحتاج إلى أحد ، وهناك عزَّة أخرى هي العزة بالإثم ، والتي قال الله عنها : { وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتْهُ ٱلْعِزَّةُ بِٱلإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } [ البقرة : 206 ] . فالعزة هنا كبر بلا رصيد ولا سند . ومنها أيضاً قوله تعالى حكايةً عن المنافقين : { يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ } [ المنافقون : 8 ] نعم ، صدقوا والله ، لكن مَنِ الأعزُّ ومَنِ الأذل ؟ وقوله { عَمَّا يَصِفُونَ } [ الصافات : 180 ] أي : تنزَّه سبحانه عن قولهم وعن كذبهم { وَسَلاَمٌ عَلَىٰ ٱلْمُرْسَلِينَ } [ الصافات : 181 ] أي : جميعاً لأنهم وإنْ كلَّفونا في بعض الأحيان ما يشقُّ على النفس إلا أنهم أخذوا بأيدينا إلى بَرِّ الأمان والنجاة ، فعليهم مِنّا السلام كلما ذكرناهم نصلي ونُسلِّم عليهم { وَٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ الصافات : 182 ] الذي هدانا لاتباع المنهج بواسطة الرسل ، وأعاننا على هذا الاتباع ، والحمد لله على الجزاء الذي أعدَّه لنا من نعيمه وجناته في الآخرة ، لذلك قال سبحانه : { وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ يونس : 10 ] . وقال العلماء روايةً عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ أراد أنْ يُكَالَ له بالكيل الأوفى من الأجر يوم القيامة فليختم مجلسه بقوله : { سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ ٱلْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلاَمٌ عَلَىٰ ٱلْمُرْسَلِينَ * وَٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } " [ الصافات : 180 - 182 ] .