Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 19-21)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى { فَإِنَّمَا هِيَ } [ الصافات : 19 ] أي : مسألة البعث { زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ } [ الصافات : 19 ] صيحة واحدة ، أو نفخة واحدة كافية لأن تُخرِجهم من قبورهم { فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ } [ الصافات : 19 ] لا أننا سنذهب إلى كل واحد منهم ونوقظه اصحى يا فلان إذن : البعث الذي تكذِّبون به أمرُه يسير علينا ، ولا يُكلِّفنا شيئاً . والصيحة في ذاتها لا تبعث الموتى ، إنما هي مجرد إذْنٍ للملَك ، بأن يباشر مهمته ، فهي مثل الجرس الذي يُبْدأ به العمل ، فبعد الزَّجْرة { فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ } [ الصافات : 19 ] هكذا مباشرة لأن إذا هنا تدل على المفاجأة ، فالأمر لن يستغرق وقتاً ، وأول ما يقومون من القبور ينظرون أي : هنا وهناك لأنهم سيروْنَ أمراً عجيباً لا عَهْدَ لهم به ، وسيُفاجئهم ما كانوا يُكذِّبون به في الدنيا . لذلك حكى القرآن عنهم في آية أخرى : { رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا } [ السجدة : 12 ] وهي أول آية في القرآن يتقدم فيها البصر على السمع لأنهم أول ما يفاجئهم يفاجئهم منظرٌ جديد لم يَرَوْهُ من قَبْل ، فينظرون إليه . فإذا ما عاينوا هذا المنظر ، قالوا : { يٰوَيْلَنَا هَـٰذَا يَوْمُ ٱلدِّينِ * هَـٰذَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } [ الصافات : 20 - 21 ] هم الذين يقولون ، وهم الذين يدْعُون على أنفسهم بالوَيْل والثبور ، لا نقولها نحن ويلكم ، بل يقولونها هم { يٰوَيْلَنَا } [ الصافات : 20 ] يعني : احضر ، فهذا أوانك لأنهم الآن تكشَّفَتْ لهم الحقائق وبَانَ كذبُهم وفسادُ تفكيرهم ، وما كانوا فيه في الدنيا من اللَّدَد والعناد ، وأول ما يتبين للإنسان فسادُ تفكيره وسوء عمله أوَّل ما يلوم يلوم نفسه ، فيدعو عليها . وقولهم : { هَـٰذَا يَوْمُ ٱلدِّينِ } [ الصافات : 20 ] يعني : يوم الجزاء على الأعمال ، هذا الجزاء الذي لم يؤمنوا به في الدنيا ، ها هم يعترفون به ، أو { هَـٰذَا يَوْمُ ٱلدِّينِ } [ الصافات : 20 ] يعني : هذا هو اليوم الذي ينفع فيه الدين ، كما تقول لولدك وهو مُقبل على الامتحان : هذا يوم المذاكرة . يعني : اليوم الذي لا تنفعك فيه إلا مذاكرتك . ثم يقولون : { هَـٰذَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ } [ الصافات : 21 ] ثم يعترفون { ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } [ الصافات : 21 ] والفصل لا يكون إلا في الخصومة ، والخصومة هنا كانت بين الرسل وأقوامهم المكذِّبين لهم والمعاندين ، ومثْل هذه الخصومة لا يُنهيها الجدل لأن المكذبين لديهم لدَد وعناد ، وقد لا يُنهيها السيف حتى يموت الظالم دون أنْ يقتصَّ منه . إذن : لا بُدَّ أنْ يأتي يوم للقصاص وللفصل في هذه الخصومات لذلك قال أحدهم : والله لا يموت ظلوم حتى ينتقمَ الله منه ، فقال الآخر : كيف وفلان ظلم كثيراً ولم نَرَ فيه شيئاً ؟ قال : والله ، إن وراء هذه الدار داراً أخرى يُجَازَى فيها المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته . نعم ، لا بُدَّ من هذا اليوم ، وإلا لَكانَ الظالم أحظَّ من المظلوم .