Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 37, Ayat: 6-9)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
نعم ، حين ننظر إلى السماء ليلاً نجدها مُزْدانةً بالنجوم تتلألأ ، وفي هذه النجوم عجائب وأسرار عرفها العربي الأُميُّ ، فعرف النجم وعرف اسمه ومكانه وحركته ، واهتدى به في سيره في الصحراء ، كما قال سبحانه : { وَعَلامَاتٍ وَبِٱلنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } [ النحل : 16 ] . وحين تتأمل هذه النجوم في السماء ترى أن الله تعالى أراد أنْ يرحمنا من حرارة الشمس ، ويُبقي لنا آثار الضوء نهتدي به ليلاً لأن هذه النجوم إنما تستمد ضوءها من ضوء الشمس . ثم للكواكب مهمة أخرى : { وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ } [ الصافات : 7 ] يعني : تحفظنا هذه الكواكب من الشياطين لأنها تنقضّ على الشياطين فتحرقها ، وهذا النوع يُسمُّونه النيازك ، أما زينة الكواكب فباقية لأنها لا دَخْل لها بهذه المسألة ، أما النجوم المخصصة للشيطان المارد ، فلا بُدَّ أنْ تتناقص . ومعنى المارد أي : المتمرد على منهج ربه ، لأنه وارث لإبليس ، يقف من ذريته نفس الموقف الذي وقفه إبليس من آدم ، فإنْ قلْتَ : الله تعالى يريد أن يسود منهجه الكونَ ، ليسود السلامُ والأَمْن والطمأنينة ، فلماذا إذن يخلق الشيطان المارد ؟ نقول : ليُوصِّل الإيمان في النفس المؤمنة مع وجود المخالف ، وإلا فما الميزة إذا كان الجميع مؤمنين طائعين ، إذن : لابُدَّ أنْ نُصفي أهل الإيمان ، وأنْ نُمحِّصهم لنعلم أهل الثبات ، لأنهم سيحملون دعوة يظل نداؤها إلى أنْ تقومَ الساعة ، فهذه لا يحملها ألا أولو العزم . وقوله : { لاَّ يَسَّمَّعُونَ إِلَىٰ ٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ } [ الصافات : 8 ] جاءت هذه الآيات بعد أنْ أقسم الله بالزاجرات زَجْراً ، وقلنا : من معانيها أن الملائكة تزجر الشياطين عن استراقِ السمع في الملأ الأعلى ، حيث كانوا يخطفون بعض الجزئيات ويُلْقُونها إلى أوليائهم من الكهنة فيضيف هؤلاء إليها كثيراً من الكذب ليُضلِّلوا به الخَلْق . وقد كَثُر هذا الاستراق قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما بُعِث صلى الله عليه وسلم منعهم الله من استراقِ السمع ، وسلَّط عليهم الشهب تزجرهم وتنقضّ عليهم ، كما حكى القرآن : { وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ ٱلآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً } [ الجن : 9 ] ذلك تكريماً لرسالة محمد أن يدلِّس عليها تدخُّل الشياطين بشيء يفسد على الناس عقائدهم ، فقال : { فَٱلزَّاجِرَاتِ زَجْراً } [ الصافات : 2 ] . ومن عجائب الزَّجْر أنه يأتي على معنيين . فمعنى : زَجَرْتُ إنساناً يعنى : نهيتُه عن عمل شيء ، أما زجرتُ الدابة يعني : أحثُّها على السير ، ومن ذلك قول الشاعر : @ فَيَا وَيْحَنَا إلْفَيْنِ بُوعِدَ بَيْنَنَا فَهَذا لهُ عُشٌّ وَذَلِكَ فِي عُشّ فَلَمَّا ألحَّتْ لِلْوِصَالِ صَبَابَتي زَجَرْتُ جَوَادِى أنْ يطِيرَ ولاَ يَمْشِي @@ وفي المعنى الآخر ، قال الشاعر : @ … لَمْ يُبْقِ فِيـ ـنَا لِلْمودَّةِ مَطْرَحاً إِنِّي زَجَرْتُكَ عَنْ خَناً فَزَجَرْتَنِي أَنْ أَنْصَحَا @@ فالزَّجْر يأتي بمعنيين متضادين . ومعنى { لاَّ يَسَّمَّعُونَ } [ الصافات : 8 ] فَرْق بين سَمِع وتسمَّع : سَمِع يعني دون قَصْد منه ، إنما تسمَّع يعني حاول وتكلَّف أنْ يسمع بصرف النظر أنه سمع شيئاً أو لم يسمع . والمعنى : أن هؤلاء الشياطين مُنِعُوا بعد بعثته صلى الله عليه وسلم من تسمُّع الأخبار في الملأ الأعلى ، وهم يحاولون ، لكن تزجرهم الملائكة وتنقضُّ عليهم الشُّهُب . { وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ } [ الصافات : 8 ] والقذف : الرَّجْم بحيث تكون الضربة نافذة { دُحُوراً } [ الصافات : 9 ] يعني : مذمومين مطرودين ، والمدحور هو المطرود بإهانة { وَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ } [ الصافات : 9 ] يعني : دائم لا يتغير ، ومنه قوله تعالى { وَلَهُ ٱلدِّينُ وَاصِباً … } [ النحل : 52 ] يعني : دائماً ، فالدين هو هو واحد مع كل الرسل ، ووَصْف العذاب هنا بأنه دائم لأنه حِيَل بينه وبين إنفاذ مهمته في استراق السمع والتقاط الأخبار من الملأ الأعلى .