Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 38, Ayat: 24-25)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { لَقَدْ ظَلَمَكَ } [ ص : 24 ] نسب واحداً إلى الظلم { بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ } [ ص : 24 ] أدخل شيئاً في حيثية الحكم وليس من حيثية الحكم ، فهل لو لم يكُنْ له تسع وتسعون نعجة ، أكان يحِلُّ له أنْ يقول لأخيه : اعطني نعجتك ؟ إذن : هذه المسألة لا دخلَ لها في القضية لأنه ظالم ، وإنْ لم يكن له تسعة وتسعون . إذن : سيدنا داود أولاً حكم قبل أنْ يسمع من الطرف الآخر ، ثم أدخل في حيثية الحكم ما ليس له دَخْل فيه ، وهو قوله : { إِلَىٰ نِعَاجِهِ } [ ص : 24 ] فربما هم حاقدون عليه أن يكون عنده تسع وتسعون . وقوله تعالى : { وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلْخُلَطَآءِ } [ ص : 24 ] أي : الشركاء { لَيَبْغِيۤ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [ ص : 24 ] المعنى : أن هذه القضية ليستْ قضية فذَّة ولا مفردة ، إنما هي ظاهرة كثيرة الحدوث بين الشركاء ، فكثيراً ما يبغي شريكٌ على شريكه ويظلمه مع أنهم ما تشاركوا إلا لمحبة بينهما واتفاق وتفاهم ، لكن هذا كله لا يمنع ميل الإنسان إلى أنْ يظلم ، وما أشبه هؤلاء بالمقامِرين تراهم في الظاهر أحبَّة وأصدقاء ، في حين أن كلاً منهم حريص على أخْذ ما في جيب الآخر . ثم يلفتنا الحق سبحانه إلى أن هذه المسألة ليستْ على إطلاقها ، إنما هناك نوع آخر من الشركاء لا يظلم ، فمَنْ هم ؟ هم الذين استثناهم الله بقوله : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [ ص : 24 ] لكنهم قليلون { وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ } [ ص : 24 ] أي : أقلّ من القليل أو قليل جداً . والنبي صلى الله عليه وسلم يحكي عن ربه عز وجل في الحديث القدسي : " أنَا ثالث الشريكين ما لم يخُنْ أحدهما صاحبه ، فإنْ خان خرجتُ من بينهما " . يعني : إنْ تسَرَّب الظلم والخيانة إلى الشركة خرج الله تعالى منها ، فمُحِقَتْ بركتها ، وحَلَّ بها الخراب والخسران . ثم يقول تعالى مبيناً حال سيدنا داود بعد أنْ مَرَّ بهذه القضية : { وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ } [ ص : 24 ] يعني : اختبرناه وابتليناه ، وظن هنا بمعنى علم وأيقن ، وكأن الحق سبحانه يُعلِّم داود علم القضاء وأصوله فامتحنه بهذه المسألة ، فكانت بالنسبة له مطب في أمور ثلاثة : الأول : أنه خاف وفزع وهو في حضرة ربه من خَلْق مثله يقبلون عليه ، وظن أنهم سيقتلونه . الثاني : أنه حكم للأول قبل أنْ يسمع من الآخر . الثالث : أنه أدخل في حكمه حيثية لا دخلَ لها في المسألة . وكلمة { فَتَنَّاهُ } [ ص : 24 ] أي : اختبرناه من قولهم : فتن الذهب على النار ليُخلِّصه من العناصر الخبيثة فيه . فلما علم سيدنا داود بذلك لم يتأَبَّ ، إنما استغفر ربه من كل ذلك { فَٱسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ … } [ ص : 24 ] أي : سقط على الأرض سقوطاً لا إرادياً ، والسقوط هنا يناسب السجود لا الركوع لذلك قال تعالى : { يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً } [ الإسراء : 107 ] فكلمة خر أعطتنا المعنيين يعني : خرَّ ساجداً حالة كونه راكعاً قبل أنْ يسجد ومعنى { وَأَنَابَ } [ ص : 24 ] رجع إلى الله بالتوبة . ثم تأتي النتيجة : { فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ } [ ص : 25 ] أي : ما كان منه { وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ } [ ص : 25 ] قُرْبَى ومنزلة ، ويكفي أنْ تُسبِّح معه الجبال ، ويُردِّد معه الطير { وَحُسْنَ مَـآبٍ } [ ص : 25 ] حُسْن مرجع ومردّ .