Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 38, Ayat: 86-88)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قُلْ أمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم { قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ … } [ ص : 86 ] ولو قال : ما أسألكم عليه أجراً لاستقام المعنى أيضاً ، لكن قوله : { مِنْ أَجْرٍ … } [ ص : 86 ] من هنا دلَّتْ على أقل ما يُقَال له أجر ولو كان جنيهاً واحداً ، أو قرشاً واحداً ، فمن هنا نفت مطلق الأجر ، أما كلمة أجر فهي تعني أجراً مُجْزياً يُعْتَدُّ به ولا تمنع وجود الأجر القليل ، كما تقول : ما عندي مال ، وما عندي من مال أي : من بداية ما يُقال له مال . ولو كان قرشاً واحداً . وكَوْنُ الحق سبحانه يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم : قُلْ لهم يا محمد ما أسألكم عليه من أجر ، كأنه يقول لهم : يا قوم إنَّ ما جاءكم به محمد عمل نافع لكم في دينكم وفي دنياكم ، وكان الواجب عليكم أنْ تُعطوه أجراً عليه ، إذن : هو يستحق الأجر لكن لن يسألكم إياه لأن ما يقدمه لكم لا يستطيع بشر أنْ يُؤدّي حقه أو يدفع ثمنه ، فأجره لا يأخذه إلا من الله ، فهو وحده القادر على أنْ يجازيه ، وأنْ يُعوِّضه عما قدَّم . إذن : محمد صلى الله عليه وسلم يستحق على هداية القوم وتبليغهم منهج ربهم أجراً ، وهو غير زاهد في هذا الأجر ، إنما يريد أنْ يُقوِّم هذا العمل بتقويم الذي أرسله بهذه الرسالة . وهذه العبارة { قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ … } [ ص : 86 ] سنة لازمة لجميع الأنبياء ، فكلهم قالوها لأقوامهم عدا سيدنا إبراهيم وسيدنا موسى عليهما السلام ، لماذا ؟ قالوا : لأن سيدنا إبراهيم أول ما دعا إلى الإيمان بالله ووحدانيته دعا أباه آزر ، ولا ينبغي له أن يطلب أجراً من أبيه ، كذلك سيدنا موسى أول ما دعا إلى الإيمان دعا فرعون الذي ربَّاه وأحسن إليه ، فكيف يقول له : أعطني أجري . وقوله سبحانه : { وَمَآ أَنَآ مِنَ ٱلْمُتَكَلِّفِينَ } [ ص : 86 ] المتكلِّف : هو المتصنِّع الذي يُظهر شيئاً فوق قَدْره المنوط به ، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تتكلفوا للضيف فتبغضوه " يعني : لا تُحمِّلوا أنفسكم فوق طاقتها ، كالذي يقترض ليقوم بواجب الضيافة ، ثم يذهب الضيف ويبقى عليه الدين وهذا يجعله يكره الضيف بعد ذلك ويتأذى أنْ ينزل به . إذن : كُنْ على طبيعتك ، وقُمْ بواجب الضيافة على قَدْر طاقتك . ولِمَ لا وقدوتك صلى الله عليه وسلم يقول : { وَمَآ أَنَآ مِنَ ٱلْمُتَكَلِّفِينَ } [ ص : 86 ] لأن الأمر الذي جئتُ به لا يحتاج إلى تكلُّف إقناع لأنه أمر موافق للطبيعة . ولك أنْ تستعرضَ أحكام الشرع ، وأنْ تنظرَ فيها ، أهي صالحة في ذاتها أم لا ؟ الدين يقول لك : لا تكذب . فمَنْ يقول إن الخير في الكذب ؟ الدين يقول لك لا تغش فمن يقول : إن الصلاح في الغش ؟ الدين نهاك عن شرب الخمر فمَنْ يقول إنها تصلح ؟ ومَنْ ينكر أنها تفسد العقلَ الذي ما كُرِّم الإنسان إلا به ؟ إذن : كلها أحكام واضحة لا تحتاج إلى تكلُّف في الإقناع بها ، لأنها توافق الفطرة السليمة . ثم يقول سبحانه : { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ } [ ص : 87 ] أي : ما هو أي القرآن { إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ } [ ص : 87 ] والذكر والتذكير لا ينشأ إلا من نسيان شيء سابق ونريد أنْ نُذكِّرك به ، فالقرآن ذكْر بمعنى أنْ يُذكِّرك بما نسيته من العهد الأول عهد الفطرة الذي أخذه الله عليك وأنت في طوْر الذَّرِّ ، فقال : { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ … } [ الأعراف : 172 ] فأقر الجميع { قَالُواْ بَلَىٰ … } [ الأعراف : 172 ] . فقال الله تعالى : إذن احفظوا هذا العهد وتذكروا هذا الإقرار { أَن تَقُولُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ … } [ الأعراف : 172 - 173 ] . إذن : الحق سبحانه لا يكلِّفك بهذا الإقرار إنما يُذكِّرك به ، لأن التكليف أُخِذَ عليك يوم أنْ كنتَ ذرةً في ظهر أبيك آدم ، ولم تكُنْ لك شهوة . فقوله تعالى عن القرآن : { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ } [ ص : 87 ] دلَّ على أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من قمة توحيد الله والإيمان به إلى فرعيات التكليف وجزئياته أمر كان في القديم ، عرفه الجميع وأقرُّوا به ، والقرآن فقط مُذكِّر بهذا العهد الأول . ثم تختم السورة بقوله تعالى : { وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينِ } [ ص : 88 ] أي : الذين كذَّبوا القرآن سيعلمون عاقبة هذا التكذيب وسيعلمون أنه خبر صادق ، سيعلمون ذلك { بَعْدَ حِينِ } [ ص : 88 ] قالوا : الحين يُرَاد به ظهور الإسلام وانتصاره على الكفر ، بداية من معركة بدر إلى أنْ قال القائل : عجبتُ لهذا الأُمِيِّ ، كيف يفتح نصف الدنيا في نصف قرن ، نعم هذه عجيبة ولا تزال حتى الآن . وقد شاهد هؤلاء المكذِّبون بأعينهم انتصارَ الإسلام واندحار الكفر ، وشاهدوا نقصان رقعة أرض الكفر ، وازدياد رقعة أرض الإيمان ، كما قال سبحانه : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا … } [ الرعد : 41 ] ومع ذلك لم يأخذوا من فتوحات الإسلام عبرة . وقالوا : الحين يراد به القيامة حين يدخل هؤلاء المكذبون النارَ ، عندها سيعلمون صِدْق هذا الكلام الذي أخبرهم الله به في قرآنه . وكلمة النبأ لا تقال إلا للخبر العظيم الهام ، كما قال سبحانه : { قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ * أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ } [ ص : 67 - 68 ] . فما بالك بنبأٍ الذي وصفه بأنه عظيم هو الله ؟ وعظمة الخبر تأتي بمقدار ما يُهيىء من الخير للإنسان ، فالخبر بأنك نجحت في القبول ، غير الخبر بنجاحك في التوجيهية ، غير الخبر بأنك أصبحت وزيراً ، فعِظَم الخبر بمقدار ما يحمل لك من الخير المرجو منه للإنسان . إذن : ما بالك بالخير الذي ينتظرك بعد قيامك بالتكاليف الربانية ، إنه خير لا يسعدك في دنياك المنقضية فحسب ، إنما يسعدك في آخرتك الباقية الخالدة ، فعِظَم هذا الخبر أنه ضَمِن لك الحياتين الدنيا والآخرة . وأسأل الله في آخر السورة أنْ يجعل لنا حظاً من قوله : { وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينِ } [ ص : 88 ] .