Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 19-19)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
كان النبي صلى الله عليه وسلم مُحباً لأمته ، حريصاً على هدايتهم والأخْذ بأيديهم ، وكان يؤلمه أنْ يشذ واحد منهم عن منهجه أو يعانده ، والقرآن الكريم يعرض لنا هذه المسألة في أكثر من موضع ، ففي سورة الشعراء : { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } [ الشعراء : 3 ] . وفي الكهف : { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً } [ الكهف : 6 ] . وقال { فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ … } [ فاطر : 8 ] . فالحق سبحانه يُسلِّي رسوله يقول له : يا محمد ، لا تحزن على هؤلاء ، لأنهم استحقوا العذاب ، وحكم الله عليهم أنهم مُعذَّبون { أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ … } [ الزمر : 19 ] حق يعني : ثبت من الله ، كما في قوله تعالى : { حَقَّ ٱلْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } [ السجدة : 13 ] . وما دام قد حقّ عليهم العذاب ، فلماذا تحزن { أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي ٱلنَّارِ } [ الزمر : 19 ] وأحقية كلمة العذاب هنا ليست قهْراً للعبد أنْ يفعل ، إنما عِلْم أنه سيفعل كذا وكذا ، فَعَلِمَ الله بما سيكون منهم وكتبه عليهم ، فالأحقية هنا ليست أحقيةً كونية أرادها الخالق سبحانه ، إنما لأنه سبحانه علم مُسْبقاً ما يختارون . وسبق أنْ تناولنا هذه المسألة في الكلام عن قوله تعالى : { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } [ المسد : 1 - 3 ] هذا حُكْم من الله على أبي لهب أنه سيَصْلَى ناراً ذات لهب ، وقد جاء هذا الحكم وبلَّغه رسول الله ، وسمعه أبو لهب وهو حَيٌّ يُرزق ، أكان محمد صلى الله عليه وسلم يأمن أنْ يقف أبو لهب في محفل من القوم ، ويقول : أشهد ألا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، يقولها ولو نفاقاً ، ويظهر أمام الناس على أنه مؤمن ، وفي هذه الحالة يُكذِّب كلام الله ؟ لقد كان أبو لهب كافراً ، كما كان خالد وعمرو وعكرمة كافرين ، وكان بإمكانه أنْ يؤمن كما آمنوا ، لكن علم الله أنه لن يؤمن حتى بعد أن بلغه هذا المصير في قرآن معجز يحفظه مَنْ قاله ويُتْلَى إلى يوم القيامة ، إذن : دلَّتْ هذه الآية على أن الله تعالى علم مُسْبقاً أنه لن يؤمن ، ولم يقهره على ألاَّ يؤمن . فالحق سبحانه يقول لرسوله : لا تذهب نفسك عليهم حسرات ، لأن الله حكم عليهم لعلمه بما سيكون منهم ، أنهم من أهل النار ، فكيف تنقذهم ، وقد حكم الله عليهم بذلك ؟ ونلحظ في أسلوب الآية { أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ … } [ الزمر : 19 ] أن الفعل حَقَّ لم تلحقه علامة التأنيث ، مع أن فاعله كلمة مؤنثة ، قالوا : لأن المؤنث هنا غير حقيقي ، فيجوز في الفعل عدم التأنيث . والاستفهام في { أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ … } [ الزمر : 19 ] يحتاج إلى خبر تقديره : أفمَنْ حَقَّ عليه كلمة العذاب ، أتريد أن تنجيه أو تحميه منه ، بأن تُلح عليه أن يؤمن ، أتريد أنْ تنقذه من النار ، وقد حكم الله عليه أنه من أهلها ؟