Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 101-101)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والضرب في الأرض مقصود به أن يمشي المؤمن في الأرض بصلابة وعزم وقوة . والقصر في الصلاة هو اختزال الكمية العددية لركعاتها . وفي اللغة " اختصار " و " اقتصار " . " الاقتصار " أن تأخذ بعضا وتترك بعضاً ، و " الاختصار " هو أخذ الكل بصفة موجزة . مثال ذلك عندما نختصر كتاباً ما فنحن نوجز كل المعاني التي فيه في عدد أقل من الكلمات . وقد يفكر إنسان في أن يكتب خطاباً ، ثم يقول لنفسه : سأرسل برقية في الموضوع نفسه . وهنا لا بد أن يختزل الكلمات لتحمل معاني كثيرة في ألفاظ موجزة . والإسهاب - كما نعلم - لا يأخذ من الوقت مثلما يأخذ الإيجاز فعندما يريد الإنسان الإيجاز فهو يقدح ذهنه - في وقت أطول - ليصل إلى المعاني في كلمات أقل . ويحكى عن سعد زغلول - زعيم ثورة 1919 المصرية - أنه كتب رسالة لصديق فأطال ، وأنهى رسالته بهذه الكلمات : وإني أعتذر إليك عن التطويل فليس عندي الوقت الكافي للإيجاز . ويحكي التاريخ عن الخليفة المسلم الذي أراد أن يهدد قائد الروم … فكتب إليه أما بعد : فسآتيك بجيش أوله عندك وآخره عندي . وهكذا أوجز الخليفة حجم الخطر الداهم الذي سيواجه ملك الروم من جيش عرمرم سيملأ الأرض إلخ . وينقل التاريخ عن أحد قادة العرب وموقفه القتالي الذي كان صعباً في " دومة الجندل " أنه كتب إلى خالد بن الوليد كلمتين لا غيرهما " إياك أريد " ولم يقل أكثر من ذلك ليتضح من هذا الإيجاز حجم المعاناة التي يعانيها . وقد أوردنا هذا الكلام ونحن بصدد الحديث عن القصر والإيجاز . والقصر في الصلاة هو أن يؤدي المؤمن كُلاًّ من صلاة الظهر والعصر والعشاء ركعتين بدلاً من أربع ركعات ، أما الصبح والمغرب فكلاهما على حاله ، الصبح ركعتان ، والمغرب ثلاث ركعات . وحكمة مشروعية ذلك أن الصلاة في وقت الحرب تقتضي ألا ينشغل المقاتلون عن العدو ، ولا ينشغلوا أيضا عن قول الحق : { إِنَّ ٱلصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً } [ النساء : 103 ] . فإذا شرع الله للخوف صلاة ، وللحرب صلاة فمعنى ذلك أنه لا سبيل أبداً لأن ينسى العبد المؤمن إقامة الصلاة . وإذا كانت الصلاة واجبة في الحرب فلن تكون هناك مشاغل في الحياة أكثر من مشاغل الحرب والسيف . وصلاة الحرب - أي صلاة الخوف - جاء بها القرآن ، أما صلاة السفر فقد جاءت بها السنة أيضا ، وفيها يقصر المؤمن صلواته أيضاً : { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنَّ ٱلْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً } [ النساء : 101 ] . ولو رأى الكافرون المؤمنين مصفوفين جميعاً في الصلاة فقد يهجمون عليهم هجمة واحدة . ولذلك شرع الحق قصر الصلاة . ويكون الخطاب من بعد ذلك موجهاً للرسول صلى الله عليه وسلم : { وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ ٱلصَّلاَةَ … } .