Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 118-118)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لماذا هذا اللعن ؟ لقد أذنب الشيطان وعصى الله . وآدم أذنب أيضا وعصى الله . فلماذا لعن الله الشيطان ، ولماذا عفا الله عن آدم ؟ نجد الإجابة في القرآن : { فَتَلَقَّىٰ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } [ البقرة : 37 ] ونعرف بهذا القول : أنّ هناك فرقاً بين أن يرد المخلوق على الله حكماً ، وفعل المعصية للغفلة . فحين أمر الحق إبليس بالسجود لآدم قال إبليس : { قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } [ الأعراف : 12 ] وهذا رد للحكم على الله ، ويختلف هذا القول عن قول آدم وحواء ، قالا : { رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا } [ الأعراف : 23 ] وهكذا نجد أن آدم قد اعترف بحكم الله واعترف بأنه لم يقدر على نفسه . ولذلك فليحذر كل واحد أن يأتي إلى ما حرّم الله ويقول : لا ، ليس هذا الأمر حراما لكن إن كان لا يقدر على نفسه فليعترف ويقول : إن ما حرم الله حرام . لكني غير قادر على نفسي . وبذلك يستبعد الكفر عن نفسه ، ويكون عاصياً فقط ولعل التوبة أو الاستغفار يذهبان عنه سيئات فعله . أما من يحلل ما حرّم الله فهو يصر على الكفر ، وطمس الله على بصيرته نتيجة لذلك . وسبحانه وتعالى يصف الشيطان بقوله - سبحانه - : " لعنه الله " أي طرده من رحمته . وليتيقظ ابن آدم لحبائل الشيطان وليحذره لأنه مطرود من رحمة الله . ولو أن سيدنا آدم أعمل فكره لفند قول الشيطان وكيده ، ذلك أن كيد الشيطان ضعيف . ولكن آدم عليه السلام لم يتصور أن هناك من يقسم بالله كذباً . فقد أقسم الشيطان : { وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّاصِحِينَ } [ الأعراف : 21 ] وكانت غفلة آدم - عليه السلام - لأمر أراده الله وهو أن يكون آدم خليفة في هذه الدنيا لذلك كان من السهل أن يوسوس الشيطان لآدم ولزوجه : { فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَالِدِينَ } [ الأعراف : 20 ] وأغوى الشيطان آدم وحواء بأن الله قد نهاهما عن الأكل من تلك الشجرة حتى لا يكونا ملكين ، وحتى لا يستمرا في الخلود . ولو أن آدم أعمل فكره في المسألة لقال للشيطان : كل أنت من الشجرة لتكون ملكاً وتكون من الخالدين ، فأنت أيها الشيطان الذي قلت بخوف شديد لله : { قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } [ الحجر : 36 ] والحق يريد لنا أن نتعلم من غفلة آدم لذلك لا بد للمؤمن أن يكون يقظاً . فسبحانه يقول عن الشيطان : { لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً } . والقرآن الكريم حين يعالج قضية ما فهذه القضية تحتاج إلى تدبر . ونلحظ أن إبليس قد تكلم بذلك ولم يكن موجوداً من البشر إلا آدم وحواء ، فكيف علم ما يكون في المستقبل من أنه سيكون له أتباع من البشر ؟ وكيف قال : { لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً } ؟ . لقد عرف أنه مادام قد قدر على أبيهم آدم وأمهم حواء فلسوف يقدر على أولادهما ويأخذ بعضاً من هؤلاء الأولاد إلى جانبه ، قال ذلك ظناً من واقع أنه قدر على آدم وعلى حواء . والذين اتبعوا إبليس من البشر صدقوا إبليس في ظنه . وكان هذا الظن ساعة قال : { لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً } . وأخذ إبليس هذا الظن لأنه قدر على آدم وحواء مع أن آدم وحواء قد أخذا التكليف من الله مباشرة ، فما بالك بالأولاد الذين لم يأخذوا التكليف مباشرة بل عن طريق الرسل . إذن كان ظن إبليس مبنياً على الدليل فالظن - كما نعلم - هو نسبة راجحة وغير متيقنة ، ويقابلها الوهم وهو نسبة مرجوحة : { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ } [ سبأ : 20 ] ولذلك قال إبليس أيضاً : { لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً } [ الإسراء : 62 ] وقال كذلك : { قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } [ ص : 82 ] مادام إبليس قد قال : { لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً } . فهذا اعتراف بأنه لن يستطيع أن يأخذ كل أولاد آدم . والفرض - كما نعلم - هو القطع . ويقال عن الشيء المفروض : إنه المقطوع الذي لا كلام فيه أبداً . وما وسيلة إبليس - إذن - لأخذ نصيب مفروض من بني آدم ؟ ويوضح الحق لنا وسائل إبليس ، على لسان إبليس : { وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ … } .