Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 13-13)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الأحكام المتقدمة والأمور السابقة كلها حدود الله ، وحين يحدّ الله حدوداً ، أي يمنع أن يلتبس حق بحق ، أو أن يلتبس حق بباطل فهو الذي يضع الحدود وهو الذي فصل حقوقاً عن حقوق . ونحن عندما نقوم بفصل حقوق عن حقوق في البيوت والأراضي فنحن نضع حدوداً واضحة ، ومعنى " حد " أي فاصل بين حقين بحيث لا يأخذ أحد ما ليس له من آخر . والحدود التي نصنعها نحن والتي قد لا يتنبه إليها كثير من الناس ، هي نوعان : نوع لا يتعدى بالبناء ، فعندما يريد واحد أن يبني ، فالأول يبني على الأرض التي هي حق له ، ويكون الجداران ملتصقين بعضهما ببعض . وعندما يزرع فلاح بجانب فلاح آخر فكل فلاح يزرع في أرضه وبين القطعتين حد ، وهذا يحدث في النفع . لكن لنفترض أن فلاحاً يريد أن يزرع أرزاً ، وجاره لن يزرع أرزاً ، فالذي لن يزرع الأرز قد تأخذ أرضه مياهاً زائدة ، فالمياه تصلح للأرز وقد تفسد غيره ، ولذلك يكون الحكم هنا أن يقيم زارع الأرز حداً اسمه " حد الجيرة " ليمنع الضرر ، وهو ليس " حد الملكية " فزارع الأرز هنا ينقص من زراعته مسافة مترين ، ويصنع بهما حد الجيرة ، حتى لا تتعدى المياه التي يُروى بها الأرز إلى أرض الجار . إنه حد يمنع الضرر ، وهو يختلف عن الحد الذي يمنع التملك . إذن فمن ناحية حماية الإنسان لنفسه من أن يوقع الضرر بالآخرين عليه أن ينتبه إلى المقولة الواضحة : " لا تجعل حقك عند آخر حدك ، بل اجعل حقك في الانتفاع بعيداً عن حدك " ، وهذا في الملكية . وذلك إذا كان انتفاعك بما تملكه كله سيضر بجارك . وكذلك يعاملنا الله ، ويقول في الأوامر : { تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا … } [ البقرة : 229 ] . وفي النواهي يقول سبحانه : { تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا … } [ البقرة : 187 ] . أي أنك إذا ما تلقيت أمراً ، فلا تتعد هذا الأمر ، وهذه هي الملكية ، وإذا ما تلقيت نهياً فلا تقرب الأمر المنهي عنه . مثال ذلك النهي عن الخمر ، فالحق لا يقول : " لا تشرب الخمر " ، وإنما يقول : { إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ فَٱجْتَنِبُوهُ … } [ المائدة : 90 ] . أي لا تذهب إلى المكان الذي توجد فيه من الأصل ، كن في جانب وهذه الأشياء في جانب آخر . ولذلك قلنا في قصة أكل آدم من الشجرة : أقال الحق : " لا تأكلا من الشجرة " ؟ أم قال ولا تقربا هذه الشجرة ؟ سبحانه قال : { وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ … } [ الأعراف : 19 ] . وهذا حد اسمه " حد عدم المضارة " إنه أمر بعدم الاقتراب حتى لا يصاب الإنسان بشهوة أو رغبة الأكل من الشجرة . وكذلك مجالس الخمر لأنها قد تغريك . ففي الأوامر يقول سبحانه : { تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا … } [ البقرة : 229 ] وهذا ما يتعلق بالملكية . وفي النواهي يقول سبحانه : { تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا … } [ البقرة : 187 ] ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا الحديث : " الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور مُشْتَبِهات لا يعلمها كثير من الناس فمَنْ اتقى المشبّهات فقد استبرأ لعرضه ودينه ، ومَنْ وقع في المشبَّهات وقع في الحرام ، كراع يرعى حول الحمى يُوشك أن يُواقِعَه ، ألا وإن لكل ملك حِمى ، ألا وإن حمى الله تعالى في أرضه محارمه ، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صَلَحتْ صَلَحَ الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب " . لذلك تجنب حدود الله . مثال ذلك قول الحق : { وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي ٱلْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } [ البقرة : 187 ] . إن الحق يأمر المعتكف بالمسجد أنه عندما تأتي له زوجة لتناقشه في أمر ما فعلى المؤمن أن يمتثل لأمر الله بعدم مباشرة الزوجة في المسجد . ولا يجعل المسائل قريبة من المباشرة ، لأن ذلك من حدود الله . وسبحانه يقول : { تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا … } [ البقرة : 187 ] . وهنا في مسائل الميراث يقول الحق : { تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } [ النساء : 13 ] . وكان يكفي أن يقول الحق - من بعد بيان الحدود - : { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ … } [ النساء : 13 ] ولكنه قال : { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ … } [ النساء : 13 ] وذلك لبيان أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضع حدوداً من عنده لما حل ، وأن يضع حدوداً لما حرم . وهذا تفويض من الله لرسوله في أنه يُشرِّع لذلك فلا تقل في كل شيء : " أريد الحكم من القرآن " . ونرى مَنْ يقول : بيننا وبينكم كتاب الله ، فما وجدنا فيه من حلال أحللناه ، وما وجدنا فيه حرام حرمناه . هؤلاء لم يلتفتوا إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم مفوض في التشريع وهو القائل : { وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ … } [ الحشر : 7 ] . إنه صلى الله عليه وسلم مفوض من الله ، وهؤلاء الذين ينادون بالاحتكام إلى القرآن فحسب يريدون أن يشككوا في سنة رسول الله ، إنهم يحتكمون إلى كتاب الله ، وينسون أو يتجاهلون أن في الكتاب الكريم تفويضاً من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يشرع . هم يقولون : بيننا وبينكم كتاب الله ، فما وجدنا فيه من حلال أحللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه . وقولهم لمثل هذا الكلام دليل على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يقول ، لأنهم لو لم يقولوا لقلنا : يا رسول الله لقد قلت : روى المقدام بن معدي كرب قال : حرم النبي صلى الله عليه وسلم " أشياء يوم خيبر منها الحمار الأهلي وغيره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يوشك أن يقعد الرجل منكم على أريكته يحدث بحديثي فيقول : بيني وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه حلالاً استحللناه وما وجدنا فيه حراماً حرمناه وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله " . فكيف يا سيدي يا رسول الله ذلك ، ولم يقل أحد هذا الكلام ؟ إذن فقولهم الأحمق دليل على صدق الرسول فيما أخبر . ويسخرهم الحق ، فينطقون بمثل هذا القول لنستدل من قول خصوم النبي على صدق كلام النبي . والحق يقول : { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ … } [ النساء : 13 ] والذي يطيع الله ورسوله في الدنيا هو مَنْ أخذ التكليف وطبقه ويكون الجزاء هو دخول الجنة في الآخرة . لكن إدخال الجنة هل هو منهج الدين ، أو هو الجزاء على الدين ؟ إنه الجزاء على الدين ، وموضوع الدين هو السلوك في الدنيا ، ومَنْ يسير على منهج الله في الدنيا يدخل الجنة في الآخرة ، فالآخرة ليست موضوع الدين ، لكن موضوع الدين هو الدنيا ، فعندما تريد أن تعزل الدنيا عن الدين نقول لك : لم تجعل للدين موضوعاً ، إياك أن تقول : موضوع الدين هو الآخرة لأن الآخرة هي دار الجزاء ، وفي حياتنا نأخذ هذا المثل : هل الامتحان موضوع المناهج ، أو أن المناهج يقرأها الطالب طوال السنة ، وهي موضوع الامتحان ؟ إن المناهج التي يدرسها الطالب هي موضوع الامتحان ، وكذلك فالدنيا هي موضوع الدِّين ، والآخرة هي جزاء لمَنْ نجح ولمَنْ رسب في الموضوع لذلك فإياكم أن تقولوا : دنيا ودين ، فلا يوجد فصل بين الدنيا والدين لأن الدنيا هي موضوع الدين . فالدنيا ُتُقابلها الآخرة والدين لهما . الدنيا مزرعة والآخرة محصدة . بهذا نرد على من يقول : إن الدنيا منفصلة عن الدين . ومَنْ يطع الله ورسوله يدخله جنة واحدة أوجنتين أو جنات ، وهل دلالة " مَنْ " للواحد ؟ لا ، إن " مَنْ " تدل على الواحد ، وتدل على المثنى وتدل على الجمع ، مثال ذلك نقول : جاء مَنْ لقيته أمس ونقول أيضاً : جاء مَنْ لقيتهما أمس ، وتقول ثالثاً : جاء مَنْ لقيتهم أمس . إذن فـ " مَنْ " صالحة للمفرد والمثنى والجمع . والحق هنا لا يتكلم عن فرد هنا أو جمع . كما قلنا في أول الفاتحة : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } [ الفاتحة : 5 ] . على الرغم من أن القياس أن تقول : " إياك أعبد وإياك أستعين " . لكن قال سبحانه : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } [ الفاتحة : 5 ] ليوضح لنا أن المؤمنين كلهم وحدة واحدة في العبادة . وهناك مَنْ يقول إذا دلت : مَنْ على المفرد فقد لحظنا لفظها ، وإذا دلت على المثنى أو الجمع فقد لحظنا معناها . ولمَنْ يقول ذلك نقول : إن هذا الكلام غير محقق علمياً لأن لفظ " مَنْ " لم يقل أحد إنه للمفرد . بل إنها موضوعة للمفرد والمثنى والجمع . فلا تقل : استعمل لفظ " مَنْ " مراعاة للفظ أو مراعاة للمعنى ، لأن لفظ " مَنْ " موضوع لمعان ثلاثة هي المفرد والمثنى والجمع . وقد سألني أخ كريم في جلسة من الجلسات : لماذا يقول الحق سبحانه في سورة الرحمن : { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } [ الرحمن : 46 ] . فقلت له : إن سورة الرحمن استهلها الحق سبحانه وتعالى : { ٱلرَّحْمَـٰنُ * عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ * خَلَقَ ٱلإِنسَانَ } [ الرحمن : 1 - 3 ] . وبعد ذلك قال الحق : { خَلَقَ ٱلإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَٱلْفَخَّارِ * وَخَلَقَ ٱلْجَآنَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ } [ الرحمن : 14 - 15 ] . وقال سبحانه : { سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ ٱلثَّقَلاَنِ } [ الرحمن : 31 ] . وقال تعالى : { يٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنِ ٱسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ فَٱنفُذُواْ لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ } [ الرحمن : 33 ] . إذن فمَنْ خاف مقام ربه ، هو من الجن أو من الإنس ، إن كان من الجن فله جنة ، وإن كان من الإنس فله جنة أخرى . إذن فمَنْ خاف مقام ربه فله جنتان . وهناك مَنْ يقول جنتان لكل واحد من الإنس والجن ، لأن الله لا يعاني من أزمة أماكن ، فحين شاء أزلاً أن يخلق خلقاً أحصاهم عداً من لدن آدم إلى أن تقوم الساعة ، وعامل الكل على أنه مؤمن مطيع ، وأنشأ لكل واحد مكانه في الجنة ، وعامل سبحانه الكل على أنه عاصٍ ، وأنشأ له مقعداً في النار ، وذلك حتى لا يفهم أحد أن المسألة هي أزمة أماكن . فإذا دخل صاحب الجنة جنته ، بقيت جنة الكافر التي كانت معدة له على فرض أنه مؤمن لذلك يقول الحق : { وَتِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِيۤ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [ الزخرف : 72 ] . فيرث المؤمنون ما كان قد أعد لغيرهم لو آمنوا . إذن فالمعاني نجدها صواباً عند أي أسلوب من أساليب القرآن . وهنا يقول الحق : { يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ … } [ النساء : 13 ] ويجب أن نفهم أن النهر هو الشق الذي يسيل فيه الماء وليس هو الماء ، الحق يقول : { جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ … } [ النساء : 13 ] فأين تجري الأنهار ؟ أتجري الأنهار تحت زروعها ، أم تحت بنيانها ؟ ونعرف أن الزروع هي التي تحتاج إلى مياه ، ونحن نريد أن نبعد المياه عن المباني كيف ؟ ولكن ليس هناك شيء مستحيل على الله لأنها تصميمات ربانية . فالخلق قد تشق نهراً ، ونجد من بعد ذلك النشع يضرب في المباني ، لكن تصميمات الحق بطلاقة القدرة تكون فيه الجنات تجري من تحتها مياه الأنهار ، ولا يحدث منها نشع ، سواء من تحت أبنية الجنات أو من تحت زروعها والذي يقبل على أسلوب ربه ويسأله أن يفيض عليه ويلهمه ، فهو - سبحانه - يعطيه ويمنحه فالحق مرة يقول : { جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ . . } [ النساء : 13 ] ومرة أخرى يقول : { جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ … } [ التوبة : 100 ] فهذا ممكن وذاك ممكن : فقوله - سبحانه - { جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ … } [ التوبة : 100 ] قد يشير إلى أن الأنهار تكون آتية من موقع آخر وتجري وتمر من تحت الجنات . لا . هي تجري منها أيضاً يقول الله تعالى : { جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ … } [ النساء : 13 ] حتى لا يظن أحد أن هناك من يستطيع أن يسد عنك المياه من أعلى . إنها أنهار ذاتية . وعندما نقرأ أن الأنهار تجري من تحت الجنات بما فيها ومَنْ فيها من قصور فقد يقول قائل : ألا أستطيع أن آخذ من هذه وأنا مهندس أضع تصميمات مباني الدنيا وآخذ من قول الحق إنه من الممكن أن تقيم مباني تجري من تحتها الأنهار ؟ وبالفعل أخذ البشر هذا الأمر اللافت . نحن نقيم القناطر وهي مبانٍ وتجري من تحتها الأنهار ، وعندما تكون المواصفات صحيحة في الطوب والأسمنت إلى آخر المواصفات فلا نشع يحدث ولا خلخلة في المبنى . فالخلل الذي يحدث في المباني عندنا ، إنما يأتي من آثر الخيانة في التناول . ومن الممكن أن تجري الأنهار تحت قصور الجنة . التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر . ألاَ يوحي ذلك للمهندس المسلم أن يحيا في هذه اللفتة الإلهية ويأخذ منها علماً ويستطيع أن يقيم مباني تجري من تحتها الأنهار ؟ لو تنبهت إلى ذلك إيمانية مهندس وأخذ يتعلم عن ربه كيفية أداء العمل . لفعل ذلك بتوفيق الله . ولنتكلم على مصر التي تعاني من أزمة إسكان ، ونجد أن المساحة المائية تأخذ قدراً كبيراً من الأرض ، سواء أكانت النيل ، أم الفروع التي تأخذ من النيل ، وكذلك الترع الصغيرة وكذلك الطرق فلو أن هناك هندسة إيمانية لاستغلت المساحات والمسطحات المعطلة ، نقيم عليها مباني تسع مرافق الدولة كلها ، ويتم إنجاز المباني فوق الطرق وفوق المياه وفوق المصارف . وليس معنى ذلك أن نبني كل الأماكن حتى تصير مسدودة بالمباني ، ولكن نبني الثلث ، ونترك فراغاً مقدار الثلثين حتى لا نفسد المنظر ، ولا نتعدى على أرض خضراء مزروعة ، إنها إيحاءات إيمانية على المهندس المسلم أن يفكر فيها . إن بلداً كالقاهرة تحتاج إلى مرافق مختلفة متنوعة ، ونستطيع أن نبني على الفراغات سواء أكانت فراغات في مساحات النيل شرط مراعاة الفراغات والزروع اللازمة لجمال البيئة وتنقيتها من التلوث . أم نبني المرافق تحت الأرض ، ولن تكون هناك أزمات للإسكان أو المرافق ، هذا بالإضافة إلى الانتفاع بالصحراء في هذا المجال . والحق يقول : { جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا … } [ النساء : 13 ] صحيح أن الجنة ستكون نعيماً ليس على قدر تصورك ولكن على قدر كمال وجمال قدرة الحق ، فالنعيم الذي يتنعم فيه الإنسان يكون على قدر التصور في معطيات النعيم ، وقلنا قديماً : إن عمدة إحدى القرى قال : أريد أن أبني مضيفة وحجرة للتيلفون ، ومصطبة نفرشها . هذا هو النعيم في تصور العمدة . ونحن في الحياة نخاف أن نترك النعيم بالموت أو يتركنا النعيم . لكن كيف يكون النعيم عند صانع كل التصورات وهو الحق سبحانه وتعالى ؟ لذلك تكون جنات النعيم دائمة ، فلا أنت تموت ولا هي تذهب . والخلود هنا له معنى واضح إنه بقاء لا فناء بعده { وَذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيم } [ النساء : 13 ] وما هو " الفوز " ؟ إنه النصر ، إنه الغلبة ، إنه النجاح ، إنه الظفر بالمطلوب . فإذا كان فوزنا في الدنيا يعطينا جائزة نفرح بها ، فالفرح قد يستمر مدة الدنيا التي يملكها الواحد منا ، فما بالنا بالفوز الذي يأتي في الآخرة وهو فوز الخلود في جنة من صنع ربنا ، أليس ذلك فوزاً عظيماً ؟ إننا إذا كنا نفرح في الدنيا بالفوز في أمور جزئية فما بالنا بالفوز الذي يمنحه الحق ويليق بعظمته سبحانه وتعالى ، ولو قسنا فوز الدنيا بفوز الآخرة لوجدنا فوز الآخرة له مطلق العظمة ، ومهما ضحى المؤمن في سبيل الآخرة ، فهناك فوز يعوض كل التضحيات ، ويسمو على كل هذا . وإذا قال قائل : ألم يكن من الأفضل أن يقول : ذلك الفوز الأعظم نقول له : إنك سطحي الفهم لأنه لو قال ذلك لكان فوز الدنيا عظيماً ، لأن الأعظم يقابله العظيم ، والعظيم يقابله الحقير فحين يقول الحق عن فوز الآخرة : إنه عظيم ، فمعنى ذلك أن فوز الدنيا حقير ، والتعبير عن فوز الآخرة هو تعبير من الحق سبحانه . وبعد ذلك يأتي الحق بالمقابل : فيقول : { وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ … } .