Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 162-162)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
إذن لم يعمم الله الحكم على أهل الكتاب ، الذي سبق بكفرهم وظلمهم لأنفسهم وأخذهم الربا وغير ذلك ، بل وضع الاستثناء ، ومثال لذلك " عبدالله بن سلام " الذي أدار مسألة الإيمان برسول الله في رأسه وكان يعلم أن اليهود قوم بُهت . فقال لرسول الله : إني أومن بك رسولاً ، والله لقد عرفتك حين رأيتك كمعرفتي لابني ومعرفتي لمحمد أشد . ويقول الحق عن مثل هذا الموقف : { ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ } . ولا أحد يتوه عن معرفة ابنه كذلك الراسخون في العلم يعرفون محمداً رسولاً من الله ومبلغاً عنه ، والراسخ في العلم هو الثابت على إيمانه لا يتزحزح عنه ولا تأخذه الأهواء والنزوات . بل هو صاحب ارتقاء صفائي في اليقين لا تشوبه شائبة أو شبهة . { لَّـٰكِنِ ٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ مِنْهُمْ وَٱلْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ } ، وقوله الحق : { بِمَآ أُنزِلَ إِلَيكَ } هو القرآن ، وهو أصل يُرد إليه كل كتاب سابق عليه ، فحين يؤمنون بما أنزل إلى سيدنا رسول الله ، لابد أن يؤمنوا بما جاء من كتب سابقة . والملاحظ للنسق الأسلوبي سيجد أن هناك اختلافاً فيما يأتي من قول الحق : { وَٱلْمُقِيمِينَ ٱلصَّلاَةَ } فقد بدأ الحق الآية : { لَّـٰكِنِ ٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ مِنْهُمْ وَٱلْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَٱلْمُقِيمِينَ ٱلصَّلاَةَ } . ونحن نعلم أن جمع المذكر السالم يُرفع بالواو وينصب ويُجر بالياء ، ونجد هنا " المقيمين " جاءت بالياء ، على الرغم من أنها معطوفة على مرفوع ، ويسمي علماء اللغة هذا الأمر بـ " كسر الإعراب " لأن الإعراب يقتضي حكماً ، وهنا نلتفت لكسر الحكم . والأذن العربية التي نزل فيها القرآن طُبِعَتْ على الفصاحة تنتبه لحظة كسر الإعراب . لذلك فساعة يسمع العربي لحناً في اللغة فهو يفزع . وكلنا يعرف قصة العربي الذي سمع خليفة من الخلفاء يخطب ، فلحن الخليفة لحنة فصرّ الأعرابي أذنيه ، أي جعل أصابعه خلف أذنيه يديرهما وينصبهما ليسمع جيداً ما يقول الخليفة ، ثم لحن الخليفة لحنة أخرى ، فهب الأعرابي واقفاً ، ثم لحن الثالثة فقال الأعرابي : أشهد أنك وُلِّيت هذا الأمر بقضاء وقدر . وكأنه يريد أن يقول : " أنت لا تستحق أن تكون في هذه المكانة " . وعندما تأتي آية في الكتاب الذي يتحدى الفصحاء وفيها كسر في الإعراب ، كان على أهل الفصاحة أن يقولوا : كيف يقول محمد إنه يتحدى بالفصاحة ولم يستقم له الإعراب لكن أحداً لم يقلها ، مما يدل على أنهم تنبهوا إلى السرّ في كسر الإعراب الذي يلفت به الحق كل نفس إلى استحضار الوعي بهذه القضية التي يجب أن يقف الذهن عندها : { وَٱلْمُقِيمِينَ ٱلصَّلاَةَ } . لماذا ؟ لأن الصلاة تضم وتشمل العماد الأساسي في أركان الإسلام لأن كل ركن من الأركان له مدة وله زمن وله مناط تكليف . فالشهادة بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله يكفي أن يقولها المسلم مرة واحدة في العمر ، والصوم شهر في العام وقد لا يصوم الإنسان ويأخذ برخص الإفطار إن كانت له من واقع حياته أسباب للأخذ برخص الإفطار . والزكاة يؤديها المرء كل عام أو كل زراعة إن كان لديه وعاء للزكاة . والحج قد يستطيعه الإنسان وقد لا يستطيعه . وتبقى الصلاة كركن أساسي للدين . ولذلك نجد هذا القول الكريم : { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ ٱلْمُصَلِّينَ } [ المدثر : 42 - 43 ] وأركان الإسلام - كما نعلم - خمسة وهي واضحة ، ومن الجائز ألا يستطيع المسلم إقامتها كلها بل يقيم فقط ركنين اثنين ، كالشهادة وإقامة الصلاة . وحين يقول الحق : { وَٱلْمُقِيمِينَ ٱلصَّلاَةَ } . يلفت كل مؤمن إلى استمرارية الودادة مع الله فهم قد يودُّون الله شهراً في السنة بالصيام ، أو يؤدُّون بإيتاء الزكاة كلما جاء لهم عطاء من أرض أو من مال ، أو يودون الله فقط إن استطاعوا الذهاب إلى الحج . وبالصلاة يودُّ المؤمن ربَّه كل يوم خمس مرات ، هي - إذن - إعلان دائم للولاء . لقد قلنا : إن الصلاة جمعت كل أركان الدين ، ففيها نقول : " أشهد أن لاإله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله " ، ونعلم أننا نزكي بالمال ، والمال فرع العمل ، والعمل يحتاج إلى وقت والإنسان حين يصلي يُزكي بالوقت . والإنسان حين يصلي يصوم عن كل المحللات له ففي الصلاة صيام ، ويستقبل المسلم البيت الحرام في كل صلاة فكأنّه في حج . إذن فحين يكسر الحق الإعراب عند قوله : { وَٱلْمُقِيمِينَ ٱلصَّلاَةَ } إنما جاء ليلفتنا إلى أهمية هذه العبادة . ولذلك يقولون : هذا كسر إعراب بقصد المدح . - فهي منصوبة على الاختصاص - ويخص به الحق المقيمين الصلاة لأن إقامة الصلاة فيها دوام إعلان الولاء لله . ولا ينقطع هذا الولاء في أي حال من أحوال المسلم ولا في أي زمن من أزمان المسلم مادام فيه عقل . ويقول الحق من بعد ذلك : { وَٱلْمُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَٱلْمُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } كأن كل الأعمال العبادية من أجل أن يستديم إعلان الولاء من العبد للإيمان بالله . والإيمان - كما نعلم - بين قوسين : القوس الأول : أن يؤمن الإنسان بقمة الإيمان وهو الإيمان بالله . والقوس الثاني : أن يؤمن الإنسان بالنهاية التي نصير إليها وهي اليوم الآخر . ويقول سبحانه جزاءً لهؤلاء : { أُوْلَـۤئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً } هو أجر عظيم لأن كل واحد منهم قد شذ عن جماعته من بقية أهل الكتاب ووقف الموقف المتأبي والرافض المتمرد على تدليس غيره ، ولأنه فعل ذلك ليُبيّن صدق القرآن في أن الإعلام بالرسول قد سبق وجاء في التوراة . ومن بعد ذلك يقول الحق : { إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ … } .