Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 18-18)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هنا يوضح الحق أن توبة هؤلاء الذين يعملون السيئات لم توجد من قريب ، وهم يختلفون عن الذين كتب الله قبول توبتهم ، هؤلاء الذين يعيشون وتستحضر نفوسهم قِيَم المنهج ، إلا أن النفوس تضعف مرة . أما الذين لا يقبل منهم التوبة فهم أصحاب النفوس التي شردت عن المنهج في جهات متعددة ، وهم لم يرتكبوا " سوءاً " واحداً بل ارتكبوا السيئات . فالذي ارتكب سوءاً واحداً فذلك يعني أنه ضعيف في ناحية واحدة ويبالغ ويجتهد في الزوايا والجوانب الأخرى من الطاعات التي لا ضعف له فيها ليحاول ستر ضعفه . إنك ترى أمثال هذا الإنسان في هؤلاء الذين يبالغون في إقامة مشروعات الخير ، فهذه المشروعات تأتي من أناس أسرفوا على أنفسهم في ناحية لم يقدروا على أنفسهم فيها فيأتوا في نواحي خير كثيرة ، ويزيدوا في فعل الخير رجاء أن يمحو الله سيئاتهم التي تركوها وأقلعوا وتابوا عنها . ومن ذلك نعلم أن أحداً لا يستطيع أن يمكر مع الله فالذي أخذ راحته في ناحية ، يوضح له الله : أنا سآتي بتعبك من نواحٍ أخرى لصالح منهجي ، ويسلط الله عليه الوهم ، ويتخيل ماذا ستفعل السيئة به ، فيندفع إلى صنع الخير . وكأن الحق يثبت للمسيء : أنت استمتعت بناحية واحدة ، ومنهجي وديني استفادا منك كثيراً ، فأنت تبني المساجد والمدارس وتتصدق على الفقراء ، كل هذا لأن عندك سيئة واحدة . إذن فلا يمكن لأحد أن يمكر على الله ، وعبر القرآن عن صاحب السيئة بوصف هذه الزلة بكلمة " السوء " ، ولكنه وصف الشارد الموغل في الشرود عن منهج الله بأنه يفعل " السيئات " ، فهو ليس صاحب نقطة ضعف واحدة ، لكنه يقترف سيئات متعددة ، ويمعن في الضلال ، ولا يقتصر الأمر على هذا بل يؤجل التوبة إلى لحظة بلوغ الأجل ، بل إنهم قد لا ينسبون الخير الصادر منهم إلى الدين مثلما يفعل الملاحدة ، أو الجهلة الذين لا يعلمون بأن كل خير إنما يأمر به الدين . مثال ذلك مذهب " الماسونية " ، يقال : إن هذا المذهب وضعه اليهود ، والظاهر في سلوك الماسونيين أنهم يجتمعون لفعل خير ما يستفيد منه المجتمع ، وما خفي من أفعال قمة أعضاء الماسونية أنهم يخدمون أغراض الصهيونية ، وقد ينضم إليهم بعض ممن لا يعرفون أهداف الماسونية الفعلية ليشاركوا في عمل الخير الظاهر . ونقول لكل واحد من هؤلاء : انظر إلى دينك ، وتجده يحضك على فعل مثل هذا الخير ، فلماذا تنسبه إلى الماسونية ولا تفعله على أنه أمر إسلامي . ولماذا لا تنسب هذا الخير إلى الإسلام وتنسبه لغير الإسلام ؟ وفي هذا العصر هناك ما يسمّى بأندية " الروتاري " ويأخذ الإنسان غرور الفخر بالانتماء إلى تلك الأندية ، ويقول : " أنا عضو في الروتاري " وعندما تسأله : لماذا ؟ يجيب : إنها أندية تحض على التعاون والتواصل والمودة والرحمة ، ونقول له : وهل الإسلام حرم ذلك ؟ لماذا تفعل مثل هذا الخير وتنسبه إلى " الروتاري " ، ولا تفعل الخير وتنسبه إلى دينك الإسلام ؟ إذن فهذا عداء للمنهج . ونجد الشاردين عن المنهج ، مثلهم كمثل الرجل الذي قالوا له : ما تريد نفسك الآن ؟ وأراد الرجل أن يحاد الله فقال : تريد نفسي أن أفطر في يوم رمضان ، وعلى كأس خمر ، وأشتري كأس الخمر هذه بثمن خنزير مسروق . إنه يريد فطر رمضان وهو محرّم ، ويفطر على خمر وهي محرمة ، وبثمن خنزير والخنزير حرام على المسلم ، والخنزير مسروق أيضاً . وسألوه : ولماذا كل هذا التعقيد ؟ فقال : حتى تكون هذه الفعلة حراماً أربع مرات . إذن فهذه مضارة لله ، وهذا رجل شارد عن المنهج . فهل هذا يتوب الله عليه ؟ لا ، { وَلَيْسَتِ ٱلتَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ … } [ النساء : 18 ] وعند لحظة الموت يبدأ الجبن وتتمثل أخلاق الأرانب ، ولماذا لم يصر على موقفه للنهاية ؟ لأنه جاء إلى اللحظة التي لا يمكن أن يكذب فيها الإنسان على نفسه { إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ ٱلآنَ … } [ النساء : 18 ] لكن التوبة لا تقبل ، ولن ينتفع بها المجتمع ، وشر مثل هذا الإنسان انتهى ، وتوبته تأتي وهو لا يقدر على أي عمل ، إذن فهو يستهزئ بالله فلا تنفعه التوبة . ولكن انظروا إلى رحمة الله واحترامه للشهادة الإيمانية التي يقر فيها المؤمن بأنه " لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله " . هذا المؤمن جعله الله في مقابل الكافر ، فيأخذ عذاباً على قدر ما فعل من ذنوب ، ويأتي احترام الحق سبحانه لإيمان القمة لقوله : " أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله " فيوضح سبحانه : لن نجعلك كالكافر بدليل أنه عطف عليه { وَلاَ ٱلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ … } [ النساء : 18 ] ، وإنما يقدر للمؤمن العاصي من العذاب على قدر ما ارتكب من معاصٍ ، ويحترم الحق إيمان القمة ، فيدخلون الجنة لذلك لم يقل الحق : إنهم خالدون في النار . وإنما قال : { أُوْلَـٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } [ النساء : 18 ] و { أُوْلَـٰئِكَ … } [ النساء : 18 ] تعني الصنفين - المؤمن والكافر - فالعذاب لكل واحد حسب ذنبه . ويقول الحق من بعد ذلك : { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ … } .