Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 53-53)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وما هي حكاية قوله : { أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ ٱلْمُلْكِ فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ ٱلنَّاسَ نَقِيراً } [ النساء : 53 ] ؟ إنه - سبحانه - يصفهم بفرط البخل وشدة الشح ، أي أنهم - في واقع الأمر - ليس لهم ملك الدنيا وليس لهم - أيضاً - ملك الله فالملك له وحده - جل شأنه - يؤتيه مَنْ يشاء وينزعه ممن يشاء ولكنهم لو أعطوا ملك الدنيا وملك الله لبخلوا وضنُّوا بما في أيديهم . كما جاء في قوله سبحانه : { قُل لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ ٱلإِنْفَاقِ وَكَانَ ٱلإنْسَانُ قَتُوراً } [ الإسراء : 100 ] . أي : أنكم تخشون الإنفاق حتى لا تقل الأموال عندكم ، فلو أخذتم خزائن ربنا فستقولون لو أخذنا منها وأعطينا الناس لقلَّت ! وفحوى العبارة : أن كل هؤلاء سواء أكانوا كفار قريش أم كبراء اليهود ، كانوا يحافظون على مكانتهم وأموالهم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ليسوي بين الناس ، فمَنْ الذي يحزن ؟ الذي يحزن هم الذين كانت لهم السيادة لأنهم لا يريدون أن تتساوى الرءوس ، وياليتهم عندما أخذوا السيادة جعلوها خيراً للناس ، لكنهم لم يفعلوا . فلو كان لهم الملك والأموال لن يُعطوا للناس نقيراً لأن الإنسان بطبيعته لا ينزل عن جبروته لأن هذا الجبروت يعطيه سلطاناً ، وما دام الجبروت أعطاه سلطاناً فلا يلتفت إلى حقيقة الإيمان ، فإن خير الخير أن يدوم الخير ، فليس فقط أن تكون في خير وسلطة لكن اضمن أنه يدوم ، وهذا الدوام ستأخذه بعمر الدنيا وأمدها قليل وعمرك فيها غير مضمون ، إذن فدوام الخير هناك في الآخرة : { لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ } [ الواقعة : 33 ] . فأنتم إن كنتم تحرصون على هذا الجاه ، وتريدون أن يكون لكم هذا الملك والجاه والعظمة فهل أنتم تعطون الناس من خيركم هذا حتى يكون هناك عذر لكم في الحرص على المال بأن الناس تستفيد منكم ؟ فلماذا تريدون أن يديم ربنا عليكم هذه وأنتم في قمة البخل والشح ؟ لا يمكن أن يديمها عليكم . ولذلك فالحق سبحانه وتعالى يقول في سورة الفجر يوضح هذه العملية : { فَأَمَّا ٱلإِنسَانُ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّيۤ أَكْرَمَنِ * وَأَمَّآ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّيۤ أَهَانَنِ } [ الفجر : 15 - 16 ] . إذن فالذي عنده نعمة يقول : { رَبِّيۤ أَكْرَمَنِ } [ الفجر : 15 ] ، والذي ليس عنده نعمة يقول : { رَبِّيۤ أَهَانَنِ } [ الفجر : 16 ] ، فيقول الحق تعقيباً على القضيتين { كَلاَّ … } [ الفجر : 17 ] . وما دام سبحانه يقول تعقيباً على القضيتين : { كَلاَّ … } [ الفجر : 17 ] فمعنى هذا أن كلا الطرفين كاذب فأنت تكذب يا من قلت : إن النعمة التي أخذتها دليل الإكرام ، وأنت كذاب أيضاً يا من قلت : عدم المال دليل الإهانة ، فلا إعطاء المال دليل الإكرام ، ولا سلب المال دليل الإهانة . وهي قضية غير صادقة وخاطئة من أساسها . وقال الحق في حيثيات ذلك : { كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ ٱلْيَتِيمَ } [ الفجر : 17 ] . أي عندكم المال ولا تكرمون اليتيم ، إذن فهذا المال هو حجة عليكم ، فهو ليس إكراماً لكم بل سيعذبكم به . ويضيف سبحانه : { وَلاَ تَحَآضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ } [ الفجر : 18 ] . فكيف يكون المال - إذن - إكراماً وهو سيأتيك بمصيبة ؟ فعدمه أفضل فالمال الذي يوجد عند إنسان ولا يرعى حق الضعفاء فيه هو وبال وشرّ لأن الحق يقول : { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ … } [ آل عمران : 180 ] . فإن بخلت كثيراً فستطوّق بغُل أشد ولذلك عندما يشتد عليه الغُلّ يقول : يا ليتني خففت هذا الغل ، والحق يتساءل في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها لماذا يتفقون مع معسكر الشرك ، ويتركون النصيب الذي أعطوه من الكتاب ، ويذهبون ليقولوا للذين كفروا : أنتم أهدى من محمد سبيلاً مع أنهم يعلمون بحكم ما عندهم من نصيب الكتاب أن محمداً على حق ؟ لقد كانوا يحافظون على سيادتهم ، ومعسكر الشرك يحافظ على سيادته ، ونعلم أن اليهود كانوا في المدينة من أصحاب الثروات ، وكانوا يعيشون على الربا ، وهم أصحاب الحصون ، وأصحاب الزراعات وأصحاب العلم ، إذن فقد أخذوا كل عناصر السيادة . وعندما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم تزلزلت كل هذه المسائل من تحت أقدامهم ، وحزنوا . وكذلك كفار قريش : كانت لهم السيادة على كل الجزيرة ، فلا يستطيع أحد من أي قبيلة في الجزيرة أن يتعرض لقافلة قريش لأن القبائل تخاف من التعرض لهم ، ففي موسم الحج تذهب كل القبائل في حضن قريش . والمهابة المأخوذة لهم جاءت لهم من البيت الحرام الذي حفظه الله ورعاه وهزم مَنْ أراده بسوء وردّ كيده ودمره تدميراً تاماً . كما جاء في قول الحق سبحانه وتعالى : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ } [ الفيل : 1 - 5 ] . وعلّة هذه العملية تأتي في السورة التالية لها ، وهي قوله سبحانه : { لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ * إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيْفِ } [ قريش : 1 - 2 ] . فلولا أنه سبحانه جعل هذا البيت لعبادته لانتهى وانتهت منهم السيادة فلا يقدرون أن يذهبوا إلى رحلة الشتاء ولا إلى رحلة الصيف ولذلك يقول سبحانه : { فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ } [ قريش : 3 ] . فسبحانه الذي جعل لهم السيادة والعزّ . وهو : { ٱلَّذِيۤ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ } [ قريش : 4 ] . وجاء لهم بثمرات كل شيء ، وآمنهم من خوف حين تسير قوافلهم في الشمال وفي الجنوب . { أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ ٱلْمُلْكِ … } [ النساء : 53 ] فإذا كان لهم هذا النصيب ، فلا يأتون الناس نقيرا أي لا يعطونهم الشيء التافه . ويقول الحق بعد ذلك : { أَمْ يَحْسُدُونَ ٱلنَّاسَ … } .