Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 67-67)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فهم إذا فعلوا ما يوعظون به ، { وَإِذاً لأَتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـآ أَجْراً عَظِيماً } [ النساء : 67 ] وساعة تسمع { مِّن لَّدُنَّـآ … } [ النساء : 67 ] اعرف أنها ليست من شأن ولا فعل الخلق ، بل من تفضل الخالق . فالحق سبحانه وتعالى يرسل لنا منهجه بوساطة الرسل ، لكنه يوضح أن بعضاً من الناس منحهم عطفاً وأعطاهم من لدنه علماً ، فهو القائل : { فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَآ آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً } [ الكهف : 65 ] . أي أن العلم الذي أعطاه الله لذلك العبد لم يَعْلَمْه موسى ، وعطاء الله للعلم خاضع لمشيئته ، ونعرف من قبل أن الحسنات والأعمال لها نظام ، فمَنْ يعمل خيراً يأخذ مقابله كذا حسنة ، ولكنْ هناك أعمال حسناتها من غير حساب ويجازي عليها الحق بفضله هو . وأضرب هذا المثل - ولله المثل الأعلى - نحن نجد ذلك متمثلاً لنا في كثير من تصرفاتنا ، تقول لابنك مثلاً : يا بني كم أجرك عندي من هذا العمل ؟ فيقول لك : مائة جنيه . فتقول له : هذه مائة هي أجرك ، وفوقها خمسون من عندي أنا ، ماذا تعني " من عندي أنا " هذه ؟ إنها تعني أنه مبلغ ليس له دخل بأجر العمل . { وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ ٱقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ … } [ النساء : 66 ] لقد عرفنا من قبل أن هناك فرقاً بين القتل والموت ، صحيح أن كليهما فيه إذهاب للحياة ، لكن الموت : إذهاب للحياة بدون نقض البنية للجسم ، ولكن القتل : إذهاب للحياة بنقض البنية كأن يكسر إنسان رأس إنسان آخر ، أو يطلق رصاصة توقف قلبه ، وهذا هدم للبنية ، والروح لا تحل إلا في بنية لها مواصفات ، والروح لم تذهب أولاً . بل إن البنية هدمت أولاً . فلم تعد صالحة لسكنى الروح ، والمثل المعروف هو مصباح الكهرباء : إنك إن رميت عليه حجراً صغيراً ، ينكسر وينطفئ النور برغم أن الكهرباء موجودة لكنها لا تعطي نوراً إلا في وعاء له مواصفات خاصة ، فإذا ذهبت هذه المواصفات الخاصة يذهب النور ، فتأتي بمصباح جديد له المواصفات الخاصة الصالحة فتجد النور قد جاء . وكذلك الروح لا تسكن إلا في جسم له مواصفات خاصة ، فإن جئت لهذه المواصفات الخاصة وسيدها المخ ، وضربته ضربة قاسية ، فقد نقضت البنية ، وفي هذه الحالة تغادر الروح الجسد لأنه غير صالح لها ، لكن الموت يأتي من غير نقض للبنية ، ومصداق ذلك هو قول الحق سبحانه وتعالى : { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ أَفإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ … } [ آل عمران : 144 ] . أي أن هناك أمرين : هناك موت ، وهناك قتل ، فالموت هو سلب الحياة ، والقتل هو سلب الحياة ، ولكن القتل سلب الحياة بعد نقض البنية التي تسكن فيها الروح ، ويختلف عن الموت لأن الموت هو خروج الروح دون قتل ، ولذلك يقولون : مات حتف أنفه . أي مات على فراشه ولم يحدث له أي شيء . والذي يُقتل في الشهادة يقول فيه ربنا : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } [ آل عمران : 169 ] . فإذا كان من يقاتل في سبيل الله قد امتثل لأمر الله فسوف يجد فضلاً أكثر ، فكيف يكون جزاء من يقتل نفسه امتثالاً لأمر ربه ؟ إن امتحان النفس يكون بالنفس ، وليس امتحان النفس بالعدو . وما الميزة في سيدنا إبراهيم ؟ هل قال له الحق : أنا سأميت ولدك ؟ أقال له إن واحداً آخر سيقتل ابنك ؟ لا ، بل قال له : اذبحه أنت . وهذه هي ارتقاء قتل النفس ، فيفدي الحق إسماعيل عليه السلام بكبش عظيم . إذن فإذا جاء الأمر بأن يقتل الإنسان نفسه فلا بد أن هناك مرتبة أعلى . { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً * وَإِذاً لأَتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـآ أَجْراً عَظِيماً } [ النساء : 66 - 67 ] . ويقول الحق بعد ذلك : { وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً … } .