Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 69-69)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والفعل هنا : { يُطِعِ … } [ النساء : 69 ] والمطاع هو : الله والرسول ، أي أن هذا الأمر تشريع الله مع تطبيق رسوله ، أي بالكتاب والسنة ، وساعة تجد الرسول معطوفاً على الحق بدون تكرير الفعل فاعلم أن المسألة واحدة … أي ليس لكل واحد منهما أمر ، بل هو أمر واحد ، قول من الله وتطبيق من الرسول لأنه القدوة والأسوة ولذلك يقول الحق في الفعل الواحد : { وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُوۤاْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ … } [ التوبة : 74 ] . فما أغناهم الله غنىً يناسبه وأغناهم الرسول غنىً يناسبه فالفعل هنا واحد . فالغنى هنا من الله ورسوله لأن الرسول لا يعمل إلا بإذن ربه وامتثالاً لأمره ، فتكون المسألة واحدة . هناك قضية تعرض لها الكتاب وهي قضية قد تشغل كثيراً من الناس الذين عاصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان مجلسه صلى الله عليه وسلم لا يُصد عنه قادم ، يأتي فيجلس حيث ينتهي به المجلس ، فالذي يريد النبي دائماً يستمر في جلوسه ، والذي يريد أن يراه كل فترة يأتي كلما أراد ذلك فثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان شديد الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، قليل الصبر عنه ، فأتاه يوماً ووجهه متغير وقد نحل وهزل جسمه ، وعُرِف الحزن في وجهه ، فسأله النبي قائلاً : ما بك يا ثوبان ؟ فقال والله ما بي مرض ولا علة ، ولكني أحبك وأشتاق إليك ، وقد علمت أني في الدنيا أراك وقتما أريد ، لكنك في الآخرة ستذهب أنت في عليين مع النبيين ، وإن دخلتُ الجنة كنت في منزل دون منزلك ، وإن لم أدخل فذاك حين لا أراك أبداً . ونص الحديث كما رواه ابن جرير - بسنده - عن سعيد بن جبير قال : " جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو محزون - فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " يا فلان مالي أراك محزوناً " ؟ فقال : يا نبي الله شيء فكرت فيه فقال : " ما هو " ؟ قال : نحن نغدو عليك ونروح ننظر إلى وجهك ونجالسك ، وغداً تُرفع مع النبيين فلا نصل إليك ، فلم يرد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئاً فأتاه جبريل بهذه الآية : { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ … } ، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم إليه فبشره " . وكيف تأتي هذه على البال ؟ ! إنه إنسان مشغول بمحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفكر : هل ستدوم له هذه النعمة ؟ وتفكر في الجنة ومنازلها وكيف أن منزلة الرسول ستعلو كل المنازل . وثوبان يريد أن يطمئن على أن نعمة مشاهدته للنبي صلى الله عليه وسلم لن تنتهي ولن تزول منه ، إنه يراه في الدنيا ، وبعد ذلك ماذا يحدث في الآخرة : فإما أن يدخل الجنة أو لا يدخلها ، إن لم يدخل الجنة فلن يراه أبداً . وإن دخل الجنة والنبي في مرتبة ومكانة عالية . فماذا يفعل ؟ انظر كيف يكون الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالله سبحانه وتعالى يلطف بمثل هذا المحب الذي شغل ذهنه بأمر قد لا يطرأ على بال الكثيرين ، فيقول الحق سبحانه وتعالى تطمينا لهؤلاء : { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰئِكَ … } [ النساء : 69 ] أي المطيعون لله والرسول { مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقاً } [ النساء : 69 ] والمسألة جاءت خاصة بثوبان ، بعد أن نبه الأذهان إلى قضية قد تشغل بال المحبين لرسول الله ، فأنت مع من أحببت ، ولكن الأمر لا يقتصر على ثوبان . لقد كان كلام ثوبان سبباً في الفتح والتطمين لكل الصديقين والشهداء والصالحين . وهي أصناف تستوعب كل المؤمنين ، فأبو بكر الصديق صِدِّيقٌ لماذا ؟ لأنه هو : المبالغ في تصديق كل ما يقوله سيدنا رسول الله ، ولا يعرض هذا القول للنقاش أو للتساؤل : أي هذه تنفع أو لا تنفع ؟ فعندما قالوا لسيدنا أبي بكر : إن صاحبك يدعي أنه أتى بيت المقدس وعاد في ليلة ونحن نضرب إليها أكباد الإبل ، ماذا قال أبو بكر ؟ قال : إن كان قال ذلك لقد صدق . لم يعلل صدقه إلا بـ " إن كان قد قال ذلك " ، فهذا هو الصديق الحق ، فكلما قال محمد شيئاً صدقه أبو بكر ، وأبو بكر - رضوان الله عليه - لم ينتظر حتى ينزل القرآن مصدقاً للرسول - صلى الله عليه وسلم - بل بمجرد أن قال صلى الله عليه وسلم : إني رسول . قال أبو بكر : نعم . إذن فهو صديق . لقد كانت هناك تمهيدات لأناس سَبَقوا إلى الإسلام لأن أدلتهم على الإيمان سبقت بعثة الرسول ، هم جربوا النبي عليه الصلاة والسلام ، وعرفوه ، فَلَمَّا تحدث بالرسالة ، صدقوه على الفور لأن التجارب السابقة والمقدمات دلت على أنه رسول ، ومثال ذلك : سيدتنا خديجة - رضوان الله عليها - ماذا قالت عندما قال لها النبي : إنه يأتيني كذا وكذا وأخاف أن يكون هذا رَئِيّاً ومَسّاً من الجن يصيبني . فقالت خديجة : " كلا والله ما يُخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم ، وتحمل الكَلّ ، وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق " . وهذا أول استنباط فقهي في الإسلام . هذا هو معنى { مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ … } [ النساء : 69 ] ، { وَٱلشُّهَدَآءِ … } [ النساء : 69 ] هم الذين قتلوا في سبيل الله ، لكن على المؤمن حين يقاتل في سبيل الله ألا يقول : أنا أريد أن أموت شهيداً . ويلقي بنفسه إلى التهلكة ، إياك أن تفهمها هكذا ، فأنت تدافع عن رسالة ولا بد أن تقاتل عدوك بدون أنك تمكنه من أن يقتلك لأن تمكينه من قتلك ، يفقد المسلمين مقاتلاً ، فكما أن الشهداء لهم فضل فالذين بقوا بدون استشهاد لهم فضل . فالإسلام يريد أدلة صدق على أن دعوته حق ، وهذه لا يثبتها إلا الشهداء . لكن هل يمكن أن نصبح جميعاً شهداء ؟ ومَنْ يحمل منهج الله إلى الباقين ؟ إذن فنحن نريد من يبقى ومن يذهب للحرب ، فهذا له مهمة وهذا له مهمة ، ولذلك كانت " التقية " وهي أن يظهر رغبته عن الإسلام ويوالي الكفار ظاهراً وقلبه مطئمن بالعداوة لهم انتظاراً لزوال المانع وذلك استبقاء لحياته كي يدافع ويجاهد في سبيل الله . وسببها أن الإسلام يريد مَنْ يؤكد صدق اليقين في أن الإنسان إذا قتل في سبيل الله ذهب إلى حياة أفضل وإلى عيش خير ، هذا يثبته الشهيد . ولذلك فالحق سبحانه وتعالى عندما تأتيهم غرغرة الشهادة يريهم ما هم مقبلون عليه ، فيتلفظون بألفاظ يسمعها من لم يقبل على الشهادة فهناك مَنْ يقول : هبي يا رياح الجنة ، ويقول كلمة يتبين منها أنه ينظر إلى الجنة كي يسمع من خلفه ، ومفرد شهداء ، إما شهيد وهو الذي قتل في سبيل الله ، وإمّا هي جمع شاهد ، فيكون الشهداء هم الذين يشهدون عند الله أنهم بلغوا من بعدهم كما شهد رسول الله أنه بلغهم . والمعاني كلها تدور حول معنى أن يشهد شيئاً يقول به وبذلك نعرف أننا نحتاج إلى الاثنين : من يقتل في سبيل الله ، ومن يبقى بدون قتل في سبيل الله لأن الأول يؤكد صدق اليقين بما يصير إليه الشهيد ، والثاني يُعطينا بقاء تبليغ الدعوة فهو شاهد أيضاً : { لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ … } [ البقرة : 143 ] . و { وَٱلصَّالِحِينَ … } [ النساء : 69 ] والصالح هو المؤهل لأن يتحمل لأن يتحمل مهمة الخلافة الإيمانية في الأرض . فكل شيء يؤدي نفعاً يتركه على حاله ، وإن أراد أن يزيد في النافع فليرق النفع منه ، فمثلاً : الماء ينزل من السماء ، وبعد ذلك يكون جداول ، ويسير في الوديان ، وتمتصه الأرض فيخرج عيوناً ، فعندما يرى عيناً للمياه فهو يتركها ولا يردمها فيكون قد ترك الصالح على صلاحه ، وهناك آخر يرقى النفع من تلك النعمة فيبني حولها كي يحافظ عليها . إذن فهذا قد أصلح بأن زاد في صلاحه . وهناك ثالث يقول : بدلاً من أن يأتي الناس من أماكنهم متعبين بدوابهم ليحملوا الماء في القِرَب أو على رءوس الحاملين ، لماذا لا أستخدم العقل البشري في الارتقاء بخدمة الناس لينتقل الماء إلى الناس في أماكنهم ، وهنا يصنع الصهاريج العالية ويصلها بمواسير وأنابيب إلى كل من يريد ماء فيفتح الصنبور ليجد ما يريد . ومن فعل ذلك يسَّر على الناس ، فيكون مصلحاً بأن جاء إلى الصالح في ذاته فزاده صلاحاً . ويختم الحق الآية بقوله : { وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقاً } [ النساء : 69 ] . و { أُولَـٰئِكَ … } [ النساء : 69 ] تعني النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، ولا توجد رفقة أفضل من هذه ، والرفيق هو : المرافق لك دائماً في الإقامة وفي السفر ، ولذلك يقولون : خذ الرفيق قبل الطريق ، فقد تتعرض في الطريق لمتاعب وعراقيل لأنك خرجت عن رتابة عادتك فخد الرفيق قبل الطريق . ونعرف أن الأصل في المسائل المعنوية : كلها منقولة من الحسيات ، وفي يد الإنسان يوجد المرفق … يقول الحق : { فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ … } [ المائدة : 6 ] . وساعة يكون الواحد مرهقاً ورأسه متعباً يتكئ على مرفقه ليستريح ، وساعة يريد أن ينام ولم يجد وسادة يتكئ على مرفقه أيضاً . إذن فالمادة كلها مأخوذة من الرفق ، فالرفيق مأخوذ من الرفق و " المرافق " مأخوذة من الرفق لأنها ترفق بالجسم وتريحه ، وفي كل بيت توجد المرافق وهي مكان إعداد الطعام وكذلك دورة المياه ، وفي الريف تزيد المرافق ليوجد مكان لمبيت الحيوانات التي تخدم الفلاح ، وبيوت الفقراء قد تكون حجرة واحدة فيها مكان للنوم ، ومكان للأكل ، وقد يربط الفقير حماره في زاوية من الحجرة ، لكن عندما يكون ميسور الحال فهو يمد بيته بالمرافق المكتملة . أي يكون في المنزل مطبخ مستقل ، ومحل لقضاء الحاجة ، وحظيرة مستقلة للمواشي ، وكذلك يكون هناك مخزن مستقل ، وهذه كلها اسمها " مرافق " لأنها تريح كل الناس . إذن فقوله : { وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقاً } [ النساء : 69 ] مأخوذة من الرفق وهو : إدخال اليسر ، والأنس ، والراحة ، ويكون هذا الإنسان الذي أطاع الله ورسوله بصحبة النبيين ، والصديقين ، والشهداء ، والصالحين . قد يقول قائل : كيف يجتمع كل هؤلاء في منزلة واحدة على الرغم من اختلاف أعمالهم في الدنيا ، أليس الله هو القائل : { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ } [ النجم : 39 ] . ونقول : ما دام المؤمن أطاع الله وأطاع الرسول ، أليس ذلك في سعيه ؟ فهذه الطاعة والمحبة لله ولرسوله هي من سعي العبد وعلى ذلك فلا تناقض بين الآيتين ، لأن عمل الإنسان هو سعيه ، ويصبح من حقه أن يكون في معية الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين . وقد تكون الصحبة تكريماً لهم جميعاً ليأنسوا بالصحبة ، وهذه المسألة ستشرح لنا قوله : { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ … } [ الأعراف : 43 ] . فساعة يرى واحد منزلته في الآخرة أعلى من آخر ، إياك أن تظن أنه سيقول : منزلتي أعلى من هذا لأنه ما دام قد ترك الأسباب في الدنيا وعاش مع مسبب الأسباب ، فهو من حبه لله يحب كل مَنْ سمع كلام ربنا في الدنيا فيقول لكل محب لله : أنت تستحق منزلتك ، ويفرح لمَنْ منزلته أعلى منه . وأضرب هذا المثل - ولله المثل الأعلى - لنفرض أن هناك فصلاً فيه تلاميذ كثيرة ، بعضهم يحب أن ينجح فقط ، وبعضهم يحب العلم لذات العلم ، وعندما يجد عشاق العلم تلميذاً نجيباً ، أيكرهونه أم يحبونه ؟ إنهم يحبونه ويسألونه ويفرحون به ويقولون : هذا هو الأول علينا لأنه لا يحب نفسه بل يحب الآخرين ، فكذلك المؤمن الذي يكون في منزلة بالجنة ويرى غيره في منزلة أعلى ، إياك أن تقول إن نفسه تتحرك عليه بالغيرة ، لا ، لأنه من حبه لربه وتقديره له يحب من كان طائعاً لله ويفرح له ، مثله مثل التلميذ الذي ينال مرتبة عالية فيحب التفوق للآخرين من غير حقد . وهكذا نجد أن الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها لا تخدش قول الحق : { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ } [ النجم : 39 ] . وهناك بحث آخر في قوله الحق : { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ } [ النجم : 39 ] . فـ " اللام " تفيد الملك والحق ، كقولنا : ليس لك عندي إلا كذا ، أي أن هذا حقك ، فقوله : { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ } [ النجم : 39 ] أي هي حق للمؤمن وقد حددت العدل في الحق ولم تحدد الفضل ، ولذلك قال بعدها : { ذٰلِكَ ٱلْفَضْلُ … } .