Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 81-81)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هنا يوضح الحق لرسوله : ستتعرض لطائفة من أمة الدعوة وهم الذين أمرك الله أن تدعوهم إلى الدخول في الإسلام ، - أما أمة الإجابة فهم الذين استجابوا لله وللرسول وآمنوا فعلا - إن هؤلاء يقولون لك حين تأمرهم بشيء أو تطلب منهم شيئاً أمراً أو نهياً : " يقولون طاعة " يعني : أمرنا وشأننا طاعة ، أي أمرك مطاع ، { فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ ٱلَّذِي تَقُولُ … } [ النساء : 81 ] ، ويقال : برز أي خرج للبَرَاز ، والبَرَاز هي : الأرض الفضاء الواسعة ، ولذلك يقول المقاتل لمن يتحداه : ابرز لي ، أي اخرج من الكن أو الحصن ، وكان العرب سابقاً لا يقضون حاجتهم في بيوتهم ، فإذا أرادوا قضاء حاجتهم ذهبوا إلى الغائط البعيد ، وجاء من هذه الكلمة لفظ يؤدي قضاء الحاجة في الخلاء . { فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ } [ النساء : 81 ] أي خرجوا ، فهم يديرون أمر الطاعة التي أمروا بها في رءوسهم فيجدونها شاقة ، فيبيتون أن يخالفوا ، ونعرف أن كلمة " بَيْت " تعني المأوى الذي يؤوي الإنسان . وأحسن أوقات الإيواء هو الليل ، فسموا البيت الذي نسكنه " مبيتاً " لأننا نبيت عادة في البيت المقام في مكان والمكون من حجرات والمستور ، ويقولون : هذا الأمر بُيِّت بليل ، أي دبروه في الليل ، وهل المراد ألا يبيتوا في النهار ؟ لا ، لكن الشائع أن يبيتوا في ليل . يفعلون ذلك وهم بعيدون عن الأعين ، فيدبرون جيداً وإن كان المقصود هو التبييت في ظلام فهذا المعنى يصلح أيضاً ، وإن كان سراً فالمعنى يصح أيضاً . إذن فالأصل في التبييت إنما يكون في البيت . والأصل أن تكون البيتوتة ليلاً ، ومدار المادة كلها الاستخفاء ، فإذا بُيت في ظلام نقول : إنه بُيت بليل ، وإذا بُيِّتَ سراً نقول : بُيِّتَ بليل أيضاً . { وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ ٱلَّذِي تَقُولُ … } [ النساء : 81 ] أي إنهم إذا ما خرجوا بيتوا أمراً غير الذي تقول ، فهم يعلنون الطاعة باللسان بينما يكون سلوكهم على العكس من ذلك ، فسلوكهم هو العصيان أو { طَاعَةٌ … } [ النساء : 81 ] غير الذي تقولها . فإن قلت : افعلوا فلن يفعلوا ، وإن قلت : لا تفعلوا فهم يفعلون عكس ما تأمر به . إنهم يطيعون أهواءهم وشياطينهم . { وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ ٱلَّذِي تَقُولُ … } [ النساء : 81 ] يعني قالت طائفة : أمرنا وشأننا طاعة لما تقول : أو أطعناك طاعة ولكنهم يبيتون غير ما تقول فهم إذن على معصية . { وَٱللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ … } [ النساء : 81 ] وسبحانه يكتب نتيجة علمه ، وجاء بكلمة { يَكْتُبُ … } [ النساء : 81 ] حتى يعلموا أن أفعالهم مسجلة عليهم بحيث يستطيعون عند عرض كتابهم عليهم أن يقرأوا ما كتب فيه ، فلو لم يكن مكتوباً فقد يقولون : لا لم يحدث ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذر من هذه الطائفة ، لأنها ستثبط أمر الدعوة ، لذلك يوضح الحق : إنك لن تُنصَرَ بمن أرسلت إليهم وإنما تنصر بمَنْ أرسلك ، فإياك أن ينال ذلك من عزيمتك أو يثبطها نحو الدعوة . فإذا حدث من طائفة منهم هذا فـ " أعرض عنهم " أي لا تخاطبهم في أمر من هذه الأمور ودعهم ودع الانتقام لي لأنني سأنصرك على الرغم من مخالفتهم لك ، واتجه إلى أمر الله الذي أرسلك . ونعلم أن المصلحة في كل الرسالات إنما تكون عند من أرسل ، ولكن المرسل إليه قد تتعبه الدعوة الجديدة لأنها ستخرجه عن هوى نفسه ، ومستلزمات طيشه ، فالذي أرسلك يا محمد هو الضامن لك في أن تنجح دعوتك . { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً } [ النساء : 81 ] لماذا ؟ لأن الذين يؤمنون بك محدودو القدرة ، ومحدودو الحيلة ، ومحدودو العدة ، ولكن الذي أرسلك يستطيع أن يجعل من عدد خصومك ومن عُدَّة خصومك جنوداً لك ، وينصرك من حيث لا تحتسب . ولذلك فالحق سبحانه وتعالى بدأ قضية الإسلام وكان المؤمنون بها قلة ، فلو جعلهم كثرة لقالوا : كثرة لو اجتمعت على ظلم لنجحت ، ولكن عندما تكون قلة وتنجح ، فهذا فأل طيب ويشير على أنك لست منصوراً بهؤلاء وإنما أنت منصور بمدد الله . ويقول الحق بعد ذلك : { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ … } .