Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 35-35)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وهل هناك جدل في الله وله سلطان يؤيد ؟ قالوا : نعم الجدل المقصود جدلٌ في الله . يعني : في أمر الله للإثبات ، وجدل من المقابل لنفيه . وقلنا : إن الآيات تأتي على معانٍ ثلاثة : آيات كونية تدل على طلاقة قدرة الخالق سبحانه ، وآيات لإثبات صِدْق الرسل في البلاغ عن الله وهي المعجزات وآيات القرآن التي تحمل الأحكام . ففي أيِّ هذه الأنواع كانوا يجادلون ؟ أولاً : جادلوا في آيات المعجزات وقالوا عنها سحر ، والرد على هذا الادعاء سهل ، إذ نقول لهم : الذي سحر الناس فآمنوا به ، لماذا لم يسحركم أنتم أيضاً لتؤمنوا به وعندها تنتهي المسألة ؟ كذلك جادلوا في آيات الأحكام ، لماذا ؟ لأن كل حكم يُنزله الله على عباده يمنع طغيان جيل في جيل أو فرد في فرد ، وهذا ينافي مصلحة أهل التسلط والكبرياء في الأرض { تِلْكَ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَٱلْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } [ القصص : 83 ] . أما الآيات الكونية التي تثبت قدرة الخالق سبحانه كالشمس والقمر والنجوم وغيرها فليست مجالاً للجدل لذلك لم يجادلوا فيها . ومعنى { كَبُرَ مَقْتاً } [ غافر : 35 ] أي : أن هذا الجدل في آيات الله بغير حقٍّ جدلٌ ممقوت يبغضه الله بغضاً كبيراً ، ويبغضه الذين آمنوا الذين يحرصون على دين الله وتقوية دواعي الإيمان به في النفوس . { كَذَلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُـلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ } [ غافر : 35 ] معنى { يَطْبَعُ } أي : يختم على قلبه . والمتكبر : هو الذي يفتعل الكبر ويدعيه وليس عنده مبرراته ، فهو يتكبر بلا رصيد عنده للكبر . لذلك ورد الحديث القدسي الذي يوضح هذه المسألة ، ويقسم المجتمع الإيماني إلى اثني عشر قسماً ، ست منها في المحبوبية : منها ثلاثة للمحبوبية العليا ، وثلاثة للمحبوبية الأقل . وستٌّ أيضاً للمبغضين منها ثلاثة للمبغضين ، وثلاثة للمبغضين أقلّ ، فانظر في أيِّها يكون المتكبر . قال تعالى في الحديث القدسي : " أحب ثلاثاً وحبي لثلاث أشدّ : أحب الفقير المتواضع وحبي للغني المتواضع أشدّ ، وأحب الشيخ الطائع وحبي للشاب الطائع أشدّ ، وأحب الغني الكريم وحبي للفقير الكريم أشدّ ، وأبغض ثلاثاً وبغضي لثلاث اشدّ : أبغض الغني المتكبر وبغضي للفقير المتكبر أشدّ ، وأبغض الشاب العاصي وبغضي للشيخ العاصي أشدّ ، وأبغض الفقير البخيل وبغضي للغني البخيل أشدّ " . ففي ضوء هذا الحديث نتعلم أن المجتمع الإيماني ينبغي أن يكون غنيه متواضعاً ، وفقيره كريماً ، وشبابه طائعاً . هذه صورة أرقى المجتمعات وأعلاها يأتي بعده في المرتبة مجتمع : فقيره متواضع ، وغنيه كريم ، وشيخه طائع . إذن : قلنا إن المتكبر مَنْ يتكبّر وليس عنده مبررات الكبر ، فماذا لو كان عنده مبررات الكبر ؟ نقول : إنْ كان عنده مبررات الكبر فإنه ينقصه أنه يتكبر بشيء غير ذاتي فيه ومن الممكن أنْ يُسلب منه ، كمن يتكبر بعافيته فقد يسلبها الله منه لأنها عَرَضٌ زائل عنك ، ثم إن المتكبر حينما يرى مَنْ هو أكبر منه يتضاءل في كبريائه ، ولو أنه رأى ببصيرته كبرياء ربه لما تكبَّر .